للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجْهُولَةً أَوْ زَائِدَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَهُ لَا خِلَابَةَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِلَفْظِ «إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ» وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عُمَرَ «فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُهْدَةً ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَسَمَّى الرَّجُلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوحِدَةِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ مُنْقِذًا وَالِدُهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَخِلَابَةٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوحِدَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهِيَ الْغَبْنُ وَالْخَدِيعَةُ.

وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا اُشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَ لَا خِلَابَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْوَاقِعَةُ فِي الْحَدِيثِ الِاشْتِرَاطُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقِيسَ عَلَيْهِ الِاشْتِرَاطُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِهِمَا مَعًا (وَتُحْسَبُ) الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَمَا دُونَهَا (مِنْ الْعَقْدِ) الْوَاقِعِ فِيهِ الشَّرْطُ (وَقِيلَ: مِنْ التَّفَرُّقِ) شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّارِطَ يَقْصِدُ بِالشَّرْطِ زِيَادَةً عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمَجْلِسُ، وَعُورِضَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّفَرُّقِ يُورِثُ جَهَالَةً لِلْجَهْلِ بِوَقْتِهِ وَلَوْ شُرِطَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِ التَّفَرُّقِ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَعَلَى الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدُ صَحَّ الشَّرْطُ لِلتَّصْرِيحِ بِالْمَقْصُودِ

وَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِ الشَّرْطِ وَمِثْلُ التَّفَرُّقِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ. التَّخَايُرُ وَلَوْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ الْخِيَارُ مِنْ الْغَدِ

ــ

[حاشية قليوبي]

مُدَّةٍ) خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ أُشَاوِرَ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ: وَهَذَا أَحَدُ شُرُوطٍ خَمْسَةٍ وَبَقِيَ مِنْهَا كَوْنُ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ مُتَّصِلَةً بِالشَّرْطِ مُتَوَالِيَةً لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (مَجْهُولَةً) هُوَ مُحْتَرَزُ مَعْلُومَةٍ وَلَمْ تُحْمَلْ الْمُدَّةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَعْهُودَةِ شَرْعًا لِأَنَّ الْخِيَارَ طَارِئٌ فَاحْتِيطَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيَصِحُّ بِوَقْتِ طُلُوعِهَا.

وَقَالَ شَيْخُنَا بِصِحَّةِ الْأُولَى أَيْضًا حَمْلًا عَلَى وَقْتِ طُلُوعِهَا، وَاللَّحْظَةُ أَقَلُّ زَمَنٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَالسَّاعَةُ كَذَلِكَ. فَإِنْ قَصَدَ السَّاعَةَ الْفَلَكِيَّةَ أَوْ الزَّمَانِيَّةَ وَعَرَفَا مِقْدَارَ دَرْجِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ صَحَّ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ قَصْدُهُمَا. قَوْلُهُ: (سَلْعَةٍ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ هِيَ بِكَسْرِ السِّينِ اسْمٌ لِخُرَّاجٍ فِي الْبَدَنِ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْحِمَّصَةِ إلَى الْبِطِّيخَةِ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِمَا يُبَاعُ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا. قَوْلُهُ: (بِالْمُعْجَمَةِ) أَيْ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَأَصْلُهُ الْمَنْجَى مِنْ الشِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (عُهْدَةُ ثَلَاثَةٍ) بِالْإِضَافَةِ أَوْ بِتَنْوِينِ عُهْدَةٍ وَثَلَاثَةٌ بَدَلٌ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (الْغَبْنُ وَالْخَدِيعَةُ) أَيْ لُغَةٌ. قَوْلُهُ: (اُشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ) أَيْ فَهُوَ مَعْنَاهَا شَرْعًا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُشْتَرِي) كَقَوْلِهِ ابْتَعْتهَا. قَوْلُهُ: (وَيَصْدُقُ ذَلِكَ) فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الْوَاقِعُ فِيهِ الشَّرْطُ) هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الشَّرْطُ.

وَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (يُوَرِّثُ جَهَالَةً إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ وَجَهَالَةُ وَقْتِ التَّفَرُّقِ لَا يَضُرُّ فِي عِلْمِهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (صَحَّ الشَّرْطُ) وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ فِي الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الشَّارِحِ الْوَاقِعِ إلَخْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُدَّةِ الشَّرْطُ لَا الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (حُسِبَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِ الشَّرْطِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ سَوَاءٌ مَضَى قَبْلَ الشَّرْطِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَا ضَابِطَ لَهُ، وَلَوْ مَضَى مَا شَرْطَاهُ وَهُمَا بِالْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ امْتَنَعَ شَرْطُ مُدَّةٍ أُخْرَى قَلِيلَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ أَوْ كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ جَازَ شَرْطُ مَا بَقِيَ مِنْهَا فَقَطْ فَإِنْ شَرَطَا مُدَّةً فِي الْأُولَى أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا. وَيَقُومُ وَارِثُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامَهُ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ شَرَطَا يَوْمًا ثُمَّ تَفَرَّقَا عَقِبَ الشَّرْطِ ثُمَّ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَوْمِ شَرَطَا يَوْمًا آخَرَ مَثَلًا جَازَ، وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ. وَلَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا مُدَّةً مِنْ خِيَارِهِ سَقَطَتْ وَمَا بَعْدَهَا لَا مَا قَبْلَهَا.

ــ

[حاشية عميرة]

يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ أَوْ لُزُومِهِ وَالثَّلَاثُ قَدْ وَرَدَتْ فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى الْأَصْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كَوْنِ الثَّلَاثِ مُدَّةً قَرِيبَةً مُغْتَفَرَةً قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ - فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: ٦٤ - ٦٥] قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يُخْرِجْ الزِّيَادَةَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ هُنَا بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْطِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ مُبْطِلَةٌ لِلْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (مُنْقِذٍ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُنْجِي مِنْ الشَّيْءِ وَالْمُخَلِّصُ مِنْهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ الْعَقْدِ) أَيْ لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ فَكَانَتْ مِنْ حِينِهِ كَالْأَجَلِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ انْقَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْمَشْرُوطَةُ وَهُمَا جَالِسَانِ انْقَضَى خِيَارُ الشَّرْطِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ) عُلِّلَ أَيْضًا بِأَنَّ الْخِيَارَيْنِ مُتَمَاثِلَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ ضَعِيفَةٌ. قَوْلُهُ: (وَعُورِضَ إلَخْ) وَأَيْضًا فَثُبُوتُ الْخِيَارِ إنَّمَا حَصَلَ بِالشَّرْطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>