فِي الرَّدِّ (وَإِنْ كَانَ) الْبَائِعُ (غَائِبًا) عَنْ الْبَلَدِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ بِالْبَلَدِ (رَفَعَ) الْأَمْرَ (إلَى الْحَاكِمِ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: فَيَدَّعِي شِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قَبَضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي وَجْهٍ مُسَخَّرٍ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ وَيُحَلِّفُهُ أَيْ أَنَّ الْأَمْرَ جَرَى كَذَلِكَ وَيَحْكُمُ بِالرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ وَيَضَعُهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَيَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ فِيهِ انْتَهَى وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْقَاضِي لَيْسَ كَالْبَائِعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَسُكُوتُهُمَا عَلَى نَصْبِ مُسَخَّرٍ لِلْعِلْمِ بِمَا صَحَّحَاهُ فِي مَحِلِّهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ نَصْبُهُ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ) وَالثَّانِي لَا لَكِنْ يَفْسَخُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ) فَيُؤَخِّرُهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفَسْخِ مَا أَمْكَنَ
(وَيُشْتَرَطُ) فِي الرَّدِّ
ــ
[حاشية قليوبي]
عِنْدَهُ، قَبْلَ طَلَبِ حُضُورِ الْبَائِعِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ) سَوَاءٌ طَالَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ قَصُرَتْ، لَكِنْ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إلَّا إنْ كَانَ فِي مَسَافَةٍ يَقْضِي فِيهَا عَلَى الْغَائِبِ، أَوْ كَانَ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُتَوَارِيًا، وَعَلَى هَذِهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ فَسَخَ) هُوَ إنْشَاءٌ لِلْفَسْخِ لَا إخْبَارٌ عَنْهُ. فَتَقْدِيمُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ هُنَا لَا يَضُرُّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ فَسْخٌ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ شُهُودٍ مَثَلًا أَوْ قَبْلَ طَلَبِ حُضُورِ خَصْمِهِ كَمَا مَرَّ فَهُوَ إخْبَارٌ بِهِ.
قَوْلُهُ: (يُنَصِّبُهُ) أَيْ نَدْبًا. قَوْلُهُ: (وَيْحُكُمْ بِالرَّدِّ) أَيْ إنْ كَانَ الْغَائِبُ فِي مَسَافَةٍ يَصِحُّ فِيهَا الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي الْبَيْعِ فَيُحَافِظُ عَلَى إبْقَائِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لِلْغَائِبِ حُجَّةً يُظْهِرُهَا إذَا حَضَرَ. قَوْلُهُ: (إنْ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ) اعْتَمَدَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مَا هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَهُ الْحَبْسُ، تَبَعًا لِلشَّيْخَيْنِ، وَمِثْلُهُ الْإِقَالَةُ فَيُفِيدُ عَدَمَ الْحَبْسِ فِي الْفُسُوخِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِهِ هُنَا مَا يُفِيدُ عَدَمَ الْحَبْسِ هُنَا، وَإِذَا حَبَسَهُ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ضَمَانَ يَدٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْبَائِعِ: وَإِنْ دَلَّسَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ. وَالْمُرَادُ يَحِلُّ الْقَبْضُ فِي عِبَارَتِهِ مَحَلَّ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ الْمُشْتَرِي إلَى مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ إلَى الْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِي طَرِيقِهِ إذَا لَقِيَ مَنْ يُشْهِدُهُ، وَلَوْ عَدْلًا مَسْتُورًا لِيَحْلِفَ مَعَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَحَرِّي طَلَبِ الشُّهُودِ فَإِنْ عَجَزَ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ فِي طَرِيقِهِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِهِ، وَغَايَةُ وُجُوبِ الْإِنْهَاءِ وُصُولُهُ إلَى الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ وَمَتَى أَشْهَدَ سَقَطَ عَنْهُ الْإِنْهَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَهُ الرُّجُوعُ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ ظَهَرَ مَنْ أَشْهَدَهُ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي أَنَّهُ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْمُوَكِّلِ الَّذِي بَعَثَ وَكِيلَهُ إلَى الرَّدِّ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ بِحُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَهُ وَإِنَّهُ إذَا أَشْهَدَ سَقَطَ الْإِشْهَادُ وَالْإِنْهَاءُ عَنْهُ وَعَنْ وَكِيلِهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ. وَأَمَّا حَالُ عُذْرِهِ بِعَجْزِهِ عَنْ الْمُضِيِّ إلَى الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ لِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ أَوْ غَيْبَةِ مَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ وَعَدَمِ الْحَاكِمِ فَذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ وَقَالَ هِيَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِيهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ إنْ حَضَرَ الشُّهُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُمْ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّوْكِيلُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، بِأَنْ حَضَرَهُ الْوَكِيلُ، وَبَعْدَ التَّوْكِيلِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا طَلَبُ الْإِشْهَادِ فَمَتَى حَضَرَهُ الشُّهُودُ أَوْ لَقِيَهُمْ الْوَكِيلُ فِي طَرِيقِهِ وَجَبَ عَلَى الْقَادِرِ مِنْهُمَا الْإِشْهَادُ وَمَتَى أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْإِشْهَادُ عَنْ الْآخَرِ، وَسَقَطَ الْإِنْهَاءُ عَنْهُمَا. وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا كَغَيْرِهِ مِنْ تَحَرِّي الْإِشْهَادِ تَارَةً وَعَدَمِهِ أُخْرَى، فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ وَلَا يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَلَا التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَلَفَّظَ بِهِ صَحَّ لَكِنْ لَوْ أَنْكَرَهُ الْبَائِعُ مَثَلًا احْتَاجَ فِي إثْبَاتِهِ إلَى بَيِّنَةٍ بِهِ. كَذَا قَالَهُ
[حاشية عميرة]
بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَلَدِ) طَالَتْ الْمَسَافَةُ أَمْ قَصُرَتْ كَذَا قِيلَ، وَلَك أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُمْ الْآتِي هَذَا قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ، يُعَرِّفُك تَقْيِيدَ الْغَيْبَةِ بِمَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ كَالْبَائِعِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهُ وَيُرَاعِي مَصْلَحَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَالْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ طَالِبًا لِأَحَدِهِمَا لَا يَعْدَمُهُ مُقَصِّرًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ لِفَقْدِ الشَّاهِدُ أَوْ لِمَرَضٍ وَنَحْوُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ إعْلَامُ الْغَيْرِ يَبْعُدُ إيجَابُهُ مِنْ غَيْرِ سَامِعٍ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ فَيَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي بِالسِّلْعَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ طَلَبُ الْعَمَلِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ خَدَمَهُ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute