للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْصِدُ إفْسَادَ مَالِهِ.

وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَمَالَ مَنْ سِوَاهُمْ إلَى الثَّانِي، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ رَجَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ الْأَوَّلَ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ) الْمَرْهُونُ (قَبْلَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ صَحَّ) الرَّهْنُ الْمُطْلَقِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ إلَى الْحُلُولِ، وَالثَّانِي يَجْعَلُ جَهْلَ الْفَسَادِ كَعِلْمِهِ.

(وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ) قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ (كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ) وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا (لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ) وَلَوْ طَرَأَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَرْهُونِ فَفِي انْفِسَاخِ الرَّهْنِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ، وَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الصُّورَتَيْنِ يُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِهِ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ.

(وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ) بِدَيْنِهِ (وَهُوَ) أَيْ عَقْدُ الِاسْتِعَارَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ (فِي قَوْلِ عَارِيَّةٍ) أَيْ بَاقٍ عَلَيْهَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ إلَى ضَمَانِ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيُشْتَرَطُ) عَلَى هَذَا (ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ) وَمِنْهَا الْحُلُولُ وَالتَّأْجِيلُ (وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ وَاحِدٌ مِمَّا ذَكَرَ عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ، وَإِذَا عَيَّنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ قَدْرًا فَرَهَنَ بِمَا دُونَهُ جَازَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِذَا قُلْنَا عَارِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَيِّ

ــ

[حاشية قليوبي]

صَحَّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ الِاحْتِمَالِ، بِأَنْ احْتَمَلَ حُلُولَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْفَسَادِ وَمَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ هُمَا مَعًا أَوْ مَعَهُ وَبَعْدَهُ، وَفَارَقَ مَا هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا مَرَّ فِي نَحْوِ الْمُدَبَّرِ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ يَقَعُ بَغْتَةً بِخِلَافِ مَا هُنَا.

قَوْلُهُ: (كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ) الْأَوْلَى كَابْتِلَالِ حِنْطَةٍ، وَمِثْلُهَا مَرَضُ الْعَبْدِ مَخُوفًا، وَلَوْ طَلَبَ الرَّاهِنُ بَذْلَ قِيمَةِ ذَلِكَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَعَدَمَ الْبَيْعِ أُجِيبَ.

قَوْلُهُ: (أَرْجَحُهُمَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (يُجْبَرُ الرَّاهِنُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مُسْتَعَارًا وَلَوْ ضِمْنًا فَيَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الشَّخْصُ مَالَ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: ارْهَنْ عَبْدَك عَنْ فُلَانٍ بِدَيْنِهِ عَلَيَّ، وَأَنْ يَقُولَ غَيْرُهُ: ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي هَذَا مَثَلًا، وَدَخَلَ فِيمَا ذَكَرَ إعَارَةُ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَصِحُّ إعَارَتُهَا لِلتَّزْيِينِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى صُورَتِهَا وَلَا تَصِحُّ إعَارَتُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الرَّهْنِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِهِ كَمَا يَأْتِي وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ عَارِيَّةٌ قَبْلَ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ عَلَى هَذَا إلَخْ) نَعَمْ إنْ قَالَ: أَرْهَنُ عَبْدِي بِمَا شِئْت فَلَهُ رَهْنُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ) مِنْ كَوْنِهِ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا أَوْ وَكِيلًا أَوْ مُوَكِّلًا أَوْ مُتَعَدِّدًا. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ لَا يُشْتَرَطُ مَا ذَكَرَ، وَلَعَلَّ سُكُوتَ الشَّارِحِ عَنْهُ

ــ

[حاشية عميرة]

مُتَجَاذِبٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي: يَجْعَلُ جَهْلَ الْفَسَادِ كَعِلْمِهِ) أَيْ لِأَنَّ جَهْلَ الْفَسَادِ يُوجِبُ جَهْلَ إمْكَانِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْمَحَلِّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِحَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ شَرَطَ فِعْلَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عُرُوضِ مِثْلِ هَذَا أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (لِلْوَثِيقَةِ) . تَتِمَّةٌ: لَوْ تَوَافَقَ الْمُتَرَاهِنَانِ فِيمَا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ عَلَى نَقْلِ الْوَثِيقَةِ مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ مِنْ غَفِيرٍ رَفَعَ لِلْعَقْدِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَلْغُو، وَلَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ فَسْخُ الْأَوَّلِ وَإِنْشَاءُ الثَّانِي، قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ، يَصِحُّ قَالَهُ السُّبْكِيُّ.

وَقَالَ الْمَتْنُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَالْمُتَّجَهُ الْجَوَازُ وَإِنْ مَنَعْنَا عَارِيَّتَهُمَا لِغَيْرِ هَذَا الْغَرَضِ وَنَحْوِهِ. انْتَهَى وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ: ارْهَنْ عَبْدَك بِدَيْنِي مِنْ فُلَانٍ فَفَعَلَ صَحَّ، وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَرْهَنَهُ بِدَيْنِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَهُوَ فِي قَوْلِ عَارِيَّةٍ) لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْغَيْرِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ نَوْعَ انْتِفَاعٍ، وَوَجْهُ الْأَظْهَرِ الْآتِي أَنَّ الْعَارِيَّةَ يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا وَالِانْتِفَاعُ هُنَا بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الرَّهْنَ لَزِمَ بِالْقَبْضِ مَعَ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَالِكِ فَلَا مَحْمَلَ لَهُ غَيْرُ الضَّمَانِ فِي رَقَبَةِ مَا أَعْطَاهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي ضَمَانِ دَيْنِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتَكُونُ ذِمَّةُ الْمَالِكِ فَارِغَةً فَكَمَا مَلَكَ أَنْ يَلْزَمَ دَيْنَ الْغَيْرِ فِي ذِمَّةِ مَمْلُوكِهِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الْتِزَامَ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّ كُلًّا مَحَلُّ تَصَرُّفِهِ أَيْ وَيَقْدَحُ فِي هَذَا كَوْنُهُ لَا يَقْدِرَ عَلَى إجْبَارِ عَبْدِهِ عَلَى الضَّمَانِ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ فِي التَّمَحُّضِ عَارِيَّةً أَوْ ضَمَانًا بَلْ فِي الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْأَصَحِّ) وَجْهُ مُقَابِلِهِ ضَعْفُ اخْتِلَافِ الْغَرَضِ فِي الْمَرْهُونِ

<<  <  ج: ص:  >  >>