ارْتَفَعَ حُكْمُ الرَّهْنِ بِالتَّخَمُّرِ وَبِانْقِلَابِ الْخَمْرِ خَلًّا يَعُودُ الرَّهْنُ، وَإِبَاقُ الْعَبْدِ مُلْحَقٌ بِالتَّخَمُّرِ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ، وَمَسْأَلَةُ الْمَوْتِ نَصَّ فِيهَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ، وَنَقَلَ نَصٌّ آخَرُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ.
وَخَرَّجَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلٌ إلَى الْأُخْرَى. وَقَرَّرَ بَعْضُهُمْ النَّصَّيْنِ فِيهِمَا وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا، وَالتَّخْرِيجُ أَصَحُّ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَالْجُنُونُ أَوْلَى، أَوْ يَبْطُلُ بِهِ فَفِي الْجُنُونِ وَجْهَانِ، وَالْإِغْمَاءُ كَالْجُنُونِ. وَلَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَطَلَ الرَّهْنُ بِمَعْنَى ارْتَفَعَ حُكْمُهُ فَإِنْ عَادَ خَلًّا عَادَ الرَّهْنُ، وَلَا بُطْلَانَ قَطْعًا فِي الْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِبَاقِ بَعْدَ الْقَبْضِ.
(وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ) كَالْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ (لَكِنَّ فِي إعْتَاقِهِ أَقْوَالًا أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ) بِالْمُعْجَمَةِ (مِنْ الْمُوسِرِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ عِتْقِهِ) وَتَكُونُ (رَهْنًا) مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُعْسِرِ. وَالثَّانِي يَنْفُذُ مُطْلَقًا وَيَغْرَمُ الْمُعْسِرُ إذَا أَيْسَرَ الْقِيمَةَ وَتَكُونُ رَهْنًا. وَالثَّالِثُ لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا. (وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ فَانْفَكَّ) الرَّهْنُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يُنْفِذْهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
مَرَّ. قَوْلُهُ: (يَعُودُ الرَّهْنُ) أَيْ حُكْمُهُ، وَفَارَقَ الْجِلْدَ إذَا دُبِغَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَصَلَتْ بِالْمُعَالَجَةِ فَلَا يَعُودُ رَهْنًا وَيَمْلِكُهُ دَابِغُهُ إنْ أَعْرَضَ عَنْهُ مَالِكُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْإِلْحَاقِ وَسَكَتَ عَنْ تَعْلِيلِ الْوَجْهَيْنِ لِعِلْمِهِ مِنْ الْإِلْحَاقِ. قَوْلُهُ: (وَمَسْأَلَةُ الْمَوْتِ إلَخْ) هُوَ شُرُوعٌ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (وَالتَّخْرِيجُ أَصَحُّ) أَيْ طَرِيقُ التَّخْرِيجِ أَصَحُّ فَصَحَّ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَصَحِّ دُونَ الْمَذْهَبِ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَخْرَجَ يَصِحُّ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْوَجْهِ وَغَلَّبَهُ عَلَى النَّصِّ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قُلْنَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ الثَّانِيَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ فِيهِ تَخْرِيجٌ فَهُوَ طُرُقٌ مَحْضَةٌ وَمِثْلُهُ الْإِغْمَاءُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِغْمَاءُ كَالْجُنُونِ) لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ بَلْ يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ، وَالْخَرَسُ بَعْدَ الْإِذْنِ لَا يُبْطِلُهُ وَقَبْلَهُ تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا بَطَلَ الرَّهْنُ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ الرَّهْنُ) لَعَلَّهُ قَطْعًا كَاَلَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ إلَخْ) فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. نَعَمْ لَهُ قَتْلُهُ قَوَدًا أَوْ دَفْعًا أَوْ عَنْ رَدِّهِ وَهُوَ إمَامٌ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي إعْتَاقِهِ) أَيْ الرَّاهِنُ لِلْمَرْهُونِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ عَنْ كَفَّارَتِهِ، لَا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَاطِلٌ، وَإِعْتَاقُ وَارِثِهِ عَنْهُ كَإِعْتَاقِهِ، وَمِلْكُهُ أَوْ إرْثُهُ لِبَعْضِهِ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ كَإِعْتَاقِهِ وَإِعْتَاقِ بَعْضِ الْمَرْهُونِ، كَإِعْتَاقِ كُلِّهِ وَيَسْرِي إلَى بَاقِيهِ بِشَرْطِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بَعْضَ عَبْدٍ وَأَعْتَقَ بَعْضَهُ غَيْرَ الْمَرْهُونِ عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُطْلَقًا وَفِي سِرَايَتِهِ لِلْمَرْهُونِ مَا مَرَّ، وَإِعْتَاقُ وَارِثٍ مَدْيُونٍ عَنْهُ عَبْدًا مِنْ تَرِكَتِهِ كَإِعْتَاقِهِ وَلَوْ رَهَنَ سَيِّدٌ مُبَعَّضٌ بَعْضَهُ عِنْدَهُ عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَإِنْ أَذِنَ الْمُبَعَّضُ أَوْ أَيْسَرَ السَّيِّدُ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ) وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَمْلِكُ قَدْرَ مَا يَغْرَمُهُ زِيَادَةً عَلَى مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ. قَوْلُهُ: (وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ) إنْ لَمْ تَزِدْ عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِهَا نَفَذَ فِيمَا أَيْسَرَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَتَكُونُ رَهْنًا) وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كَالْقِيمَةِ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا كَأَنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَاهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمَحَلُّ كَوْنِهَا رَهْنًا إنْ قَصَدَهَا عَنْ الْغُرْمِ عِنْدَ الدَّفْعِ فَإِنْ قَصَدَ إبْدَالَهَا صُدِّقَ، وَبَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ تَخَيَّرَ بَيْنَ جَعْلِهَا عَنْ الدَّيْنِ وَإِبْقَائِهَا هُنَا كَذَا، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَلَا يَتَقَدَّمُ الْحُكْمُ عَلَى الْقِيمَةِ بِكَوْنِهَا رَهْنًا عَلَى الْغُرْمِ بَلْ يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِهِ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْجَانِيَ وَيَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ لَوْ مَاتَ فَتَصِيرُ مَرْهُونَةً بِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْجَانِي هُوَ الرَّاهِنَ وَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِقَدْرِ الْبَدَلِ مِنْ تَرِكَتِهِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَيُمْتَنَعُ عَلَى الْجَانِي التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا وَيَسْتَقِلُّ الْمُرْتَهِنُ بِتَرِكَتِهِ كَذَلِكَ فَيُقَدَّمُ بِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ مَعَ مَا مَرَّ بِقَوْلِهِ أَنْ يَقْصِدَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُعْسِرِ) وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ)
ــ
[حاشية عميرة]
يَقُولُ: ارْتَفَعَ إلَخْ يُرِيدُ بِهِ الثَّانِيَ لَا يَقُولُ بِالصِّحَّةِ حَالَ التَّخْمِيرِ بَلْ لَوْ فَرَضَ التَّخْمِيرَ بَعْدَ الْقَبْضِ ارْتَفَعَ حُكْمُ الرَّهْنِ وَلَكِنَّهُ يَعُودُ بِالتَّخَلُّلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَرَّرَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ يَحِلُّ الدَّيْنُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ دَيْنُهُ بِكُلِّ التَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ الرَّهْنِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَحْصُلُ بِتَسْلِيمِ الْوَارِثِ الْغَرَضُ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَقَاءِ الرَّهْنِ وَفِي مَوْتِ الْمُرْتَهِنِ الدَّيْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَالْوَثِيقَةُ حَقٌّ لِلْمُرْتَهِنِ وَوَرَثَتُهُ مُحْتَاجُونَ إلَيْهَا، فَانْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ) أَيْ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّوَثُّقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَكِنْ فِي إعْتَاقِهِ إلَخْ) خَرَجَ سِرَايَةُ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ سَوَاءٌ نَفَّذْنَا إعْتَاقَهُ أَمْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْيَسَارُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَظْهَرُهَا) وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ عِتْقٌ فِي مِلْكِهِ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ فَوَجَبَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ كَعِتْقِ الشَّرِيكِ، وَوَجْهُ الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَوَجْهُ الثَّالِثِ كَوْنُهُ حَجَرَ