الْمُحَرَّرِ مِسْكًا وَنَحْوَهُ لِلْإِعْلَامِ بِالتَّرْتِيبِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ.
(وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) أَيْ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ حَدِيثَ «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ وَالْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ سُفَيْنَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ» (وَلَا حَدَّ لَهُ) حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ وَأَسْبَغَ أَجْزَأَ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ قَدْرُ الرِّطْلِ
(وَمَنْ بِهِ نَجَسٌ يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَلَا تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ) وَذَلِكَ وَجْهٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا أَوَّلًا فِي النَّجَسِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ (قُلْت: الْأَصَحُّ تَكْفِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَيَرْفَعُهُمَا الْمَاءُ مَعًا.
(وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ حَصَلَا) أَيْ غَسَّلَاهُمَا (أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ) أَيْ غَسَّلَهُ (فَقَطْ) عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ فِي كُلٍّ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ فِي الْأُولَى لِلْإِشْرَاكِ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ، وَفِي قَوْلٍ: يَحْصُلُ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ غُسْلُ
ــ
[حاشية قليوبي]
عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ الطِّينِ نَوَى الزَّبِيبَ، ثُمَّ مُطْلَقُ النَّوَى، ثُمَّ مَا لَهُ رَطِيبٌ، ثُمَّ الْمِلْحُ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَوْلَوِيَّةِ) فَالسُّنَّةُ تَحْصُلُ بِالْجَمِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) وَكَذَا التَّيَمُّمُ وَلَوْ مُكَمِّلًا بِهِ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ وَلَوْ لِمَاسِحِ الْخُفِّ، أَوْ مُكَمِّلًا بِالتَّيَمُّمِ، وَلَا يُسَنُّ لِصَاحِبِ الضَّرُورَةِ وَلَا إذَا فَوَّتَ فَضِيلَةً كَفَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ) أَيْ يَدْخُلُ وَقْتُ جَوَازِ التَّجْدِيدِ بِذَلِكَ مُوَسَّعًا إلَى إرَادَةِ فِعْلِ صَلَاةٍ أُخْرَى أَوْ غَيْرِهَا فَلَا تَسَلْسُلَ وَلَا اسْتِغْرَاقَ زَمَنٍ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ (صَلَاةً مَا) وَلَوْ رَكْعَةً أَوْ جِنَازَةً لَا غَيْرَ الصَّلَاةِ كَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَطَوَافٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَبِذَلِكَ عُلِمَ رَدُّ مَا نُقِلَ عَنْ وَالِدِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مِنْ نَدْبِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ نَدْبِهِ لِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ مَا قِيلَ فِيهِ بِالنَّقْضِ كَمَسِّ مَيِّتٍ، فَلَوْ جَدَّدَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ الشَّيْخِ الْخَطِيبِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: إنْ قَصَدَ بِهِ الْعِبَادَةَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بِصِحَّتِهِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا.
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَلِي بِهِ أُسْوَةٌ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ.
(فَرْعٌ) يُنْدَبُ لِجُنُبٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةِ وَحَائِضٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا الْوُضُوءُ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ آخَرَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ.
قَالَ الْجَلَالُ: وَهَذَا الْوُضُوءُ لَا تُبْطِلُهُ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ كَالْبَوْلِ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ جِمَاعٌ آخَرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَبِهَذَا يُلْغَزُ فَيُقَالُ لَنَا وُضُوءٌ لَا تُبْطِلُهُ الْأَحْدَاثُ. قَوْله (لَوْ نَقَصَ) وَلَوْ احْتَاجَ لِزِيَادَةٍ زَادَ.
قَوْلُهُ: (يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَغْسِلُهُ قَبْلَ غَسْلِ مَحَلِّهِ عَنْ الْحَدَثِ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ عَلَى الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُهُمَا الْمَاءُ مَعًا) إذَا لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ وَصْفٌ، وَتَقَدَّمَ الِاعْتِدَادُ بِالنِّيَّةِ
ــ
[حاشية عميرة]
الْمُتَرَتِّبِ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لَا أَنَّهُ كَافٍ فِي حُصُولِهَا، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكِفَايَةِ الْمَاءِ هُوَ الْغُسْلُ الشَّرْعِيُّ لَا إدْخَالُ مَاءٍ فِي الْفَرْجِ بَدَلَ الطِّيبِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِلْإِعْلَامِ بِالتَّرَيُّبِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَإِفَادَةُ التَّرْتِيبِ ظَاهِرَةٌ، وَكَوْنُهَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ لَا يُفِيدُهُ الْمِنْهَاجُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مُكَمِّلًا لِلتَّيَمُّمِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ وَلَوْ مُكَمِّلًا لِلْوُضُوءِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا) كَأَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ بِدُونِهِ فِي مَعْنَى الْكَرَّةِ الرَّابِعَةِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ إذَا لَمْ يُؤَدِّ بِالْأَوَّلِ شَيْئًا. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ حِينَئِذٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْغُسْلُ عَنْ صَاعٍ) مِنْ السُّنَنِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَفِي التَّحْقِيقِ يَقُولُ بَعْدَهُ مَا يَقُولُهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (حَصَلَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ، ثُمَّ لِلْجُمُعَةِ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا انْتَهَى، وَلَوْ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَنْهُ وَعَنْ نَذْرٍ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْقِيَاسُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنْ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِحُصُولِهِمَا مَعًا.