وَشَرَابُهُ
(وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْعَارِيَّةِ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ رُدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجَرَ
(فَإِنْ تَلِفَتْ لَا بِاسْتِعْمَالٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ) قَالَ النَّبِيُّ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . «وَقَالَ فِي أَدْرُعٍ أَخَذَهَا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمَ التَّلَفِ، وَتَلَفُ بَعْضِهَا مَضْمُونٌ.
وَقِيلَ: لَا كَتَلَفِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ) مِنْ الثِّيَابِ. (أَوْ يَنْسَحِقُ بِالِاسْتِعْمَالِ) . وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُمَا. (وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ) أَيْ الْبَالِيَ دُونَ الْمُنْسَحِقِ أَيْ التَّالِفِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ، وُجِّهَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَا بِهِمَا حَدَثَ عَنْ سَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالثَّانِي قَالَ: حَقُّ الْعَارِيَّةِ أَنْ تُرَدَّ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا فِي الْأَوَّلِ فَتُضْمَنُ فِي آخِرِ حَالَاتِ التَّقْوِيمِ، وَفَاتَ رَدُّ بَعْضِهَا فِي الثَّانِي فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ، وَالثَّالِثُ فَرَقَ بِوُجُودِ مَرْدُودٍ فِي الثَّانِي
ــ
[حاشية قليوبي]
عَلَفَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ إشْهَادٍ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ اسْتَعَارَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْ سَيِّدِهَا فَمُؤْنَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهَا بِالْإِعَارَةِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ صَحَّ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي إعَارَةِ نَفْسِهَا لِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ فِيهِمَا، وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ سَافَرَتْ لِغَرَضِهَا وَحْدَهَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا هُنَا، وَهَلْ تَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ إذَا طَلَّقَهَا؟ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْقَاضِي) هُوَ مَرْجُوحٌ. فُرُوعٌ: الضَّمَانُ الْوَاقِعُ فِي بِلَادِ الرِّيفِ تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ فَرَاجِعْهُ، وَلَوْ أَعْطَى دِرْهَمًا لِمَنْ يَسْقِيهِ أَوْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَسْقِيَهُ بِعِوَضٍ أَوْ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَالِبَ الْعِوَضُ فَأَعْطَاهُ الْمَاءَ فِي ظَرْفٍ، فَالظَّرْفُ مَأْخُوذٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَالْمَاءُ مَأْخُوذٌ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَهُوَ مَضْمُونٌ إنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا يَشْتَرِيهِ، فَإِنْ زَادَ فَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهُ وَلَوْ سَقَاهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَيُضَمُّ الظَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ مُعَارٌ، فَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَفِي الْعَارِيَّةِ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ التَّلَفُ، وَفِي الْإِجَارَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ بِأَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ قَصَرَ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْمَالِكِ أَوْ فِيهِ فِي مَحَلٍّ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِوَضْعِهِ فِيهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَعْطَى سَائِلًا مَثَلًا طَعَامًا فِي إنَاءٍ لِأَكْلِهِ مَثَلًا، وَمِثْلُهُ إعْطَاءُ دَوَاةٍ لِيَكْتُبَ مِنْهَا، أَوْ مُكْحُلَةٍ لِيَكْتَحِلَ مِنْهَا، أَوْ أَقْلَامًا لِيَكْتُبَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، أَوْ كِتَابًا لِيَنْسَخَ مِنْهُ، أَوْ مُصْحَفًا كَذَلِكَ، أَوْ قِنْدِيلًا لِيَسْتَضِيءَ بِهِ، وَكُلُّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا شُرِطَ أَمَانَةٌ كَبَقِيَّةِ الْمَاءِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى بَيَّاعٍ أَوْ طَبَّاخٍ مَثَلًا ظَرْفًا لِيَضَعَ لَهُ فِيهِ مَا يَشْتَرِيهِ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَتَلِفَ الظَّرْفُ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا أَوْ أَفْرَزَهُ بِنَحْوِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَمْ يَضْمَنْ الظَّرْفَ وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ فَوَجَدَهُ زَائِدًا عَدَدًا أَوْ كَيْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا ضَمِنَ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ كَالْمُقْتَرِضِ، وَلَوْ وُجِدَ فِي الطَّعَامِ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الظَّرْفِ نَحْوَ فَأْرَةٍ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ظَرْفِ الْآخَرِ، صُدِّقَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعِي الصِّحَّةَ، وَلَوْ اشْتَرَى نَحْوَ سَمْنٍ مِنْ ظَرْفَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ وَوَجَدَ فِي أَحَدِهِمَا نَجَاسَةً وَاشْتَبَهَ، نَقُولُ لَهُ: اجْتَهِدْ وَاعْمَلْ بِاجْتِهَادِك، فَإِنْ تَحَيَّرَ قُلْنَا لَهُ: نَحْنُ مُفْتُونَ لَا مُجْبِرُونَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قَوْلُهُ: (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) وَيَجِبُ الرَّدُّ فَوْرًا مَتَى بَطَلَتْ الْعَارِيَّةُ، فَإِنْ أَخَّرَ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ مَعَ مُؤْنَةِ الرَّدِّ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ قَصَرَ، وَلَهُ الرُّكُوبُ فِي الرَّدِّ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ لِلُزُومِهِ لَهُ وَيَبْرَأُ بِهِ إنْ وَصَلَتْ إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ لِمَحَلِّ أَخْذِهَا مِنْهُ إنْ عَلِمَ بِهَا الْمَالِكُ وَلَوْ بِخَبَرِ ثِقَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ رَدُّهَا لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إحْسَانٌ، فَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَرُبَّمَا امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَلِفَتْ) وَلَوْ بِإِتْلَافِ الْمَالِكِ بِنَحْوِ صِيَالٍ. قَوْلُهُ: (لَا بِاسْتِعْمَالٍ) أَيْ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَمِثْلُ الْمَأْذُونِ فِيهِ عَقْرُهَا وَعَرَجُهَا وَعُثُورُهَا بِثِقَلِ حَمْلٍ أُذِنَ فِيهِ، وَيُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ فِي دَعْوَى تَلَفِهَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ عَكْسُ مَا لَوْ أَقَامَا بِبِنْتَيْنِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَهَا) وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَشُرِطَ رَهْنٌ بِهَا أَوْ ضَمَانُهُ لَهَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَذَلِكَ، وَشُرِطَ أَنْ لَا ضَمَانَ فَاسِدَ لَا مُفْسِدٌ، وَيَضْمَنُ نَحْوَ إكَافِهَا أَيْضًا وَلَا يَضْمَنُ وَلَدُهَا الْمَوْجُودَ حَالَ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ صَرَّحَ بِاسْتِعَارَتِهِ، إلَّا إنْ اسْتَحْفَظَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ أُمُّهُ لَا تَمْشِي إلَّا بِهِ كَذَا عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَلَوْ وَلَدَتْ حَالَ الْعَارِيَّةِ فَالْوَلَدُ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ تَمَكَّنَ وَيَضْمَنُهُ إنْ قَصَّرَ، وَلَا يَضْمَنُ ثِيَابَ رَقِيقٍ وَلَا جِلْدَ أُضْحِيَّةٍ مَنْذُورَةٍ كَالنَّاذِرِ وَلَا مُسْتَعَارًا لِلرَّهْنِ، وَلَا صَيْدًا مُسْتَعَارًا مِنْ مُحْرِمٍ، وَعَكْسُهُ يَضْمَنُ الْجَزَاءَ وَالْقِيمَةَ، وَلَا كِتَابًا وَقْفًا عَلَى طَائِفَةٍ هُوَ مِنْهُمْ، وَلَا مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَارِيَّةِ مَجَازٌ. قَوْلُهُ: (فِي أَدْرُعٍ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ أَوْ مُعْجَمَةٍ جَمْعُ دِرْعٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ. قَوْلُهُ: (بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ) وَلَوْ مِثْلِيَّةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمِثْلِ يُؤَدِّي إلَى ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِالِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مَضْمُونٌ) أَيْ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى وِزَانِ مَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (مِنْ الثِّيَابِ) وَمِنْهُ أَوْ مِثْلُهَا نَحْوُ سَرْجِ فَرَسٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي إعَارَتِهَا لِتَوَقُّفِ انْتِفَاعِهِ عَلَيْهِ، وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْبَاقِي مَنْفَعَةٌ أَوْ تَلِفَ
ــ
[حاشية عميرة]
وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِخِلَافِ سَرْجِ الدَّابَّةِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِالِاسْتِعْمَالِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا.
فَرْعٌ: لَوْ أَعَارَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا ضَمَانَ لَغَا الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ. قَوْلُهُ: (يَضْمَنُهُمَا) أَيْ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» كَذَا عَلَّلَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ بِمَا سَيَأْتِي.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ الثَّالِثُ أَضْعَفُ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بَعْدَ الْمُنْمَحِقِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْبَالِيَ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ الِانْمِحَاقُ هُوَ التَّلَفُ بِالْكُلِّيَّةِ، مِثْلُ أَنْ يَلْبَسَهَا إلَى أَنْ تُبْلَى، وَالِانْسِحَاقُ هُوَ النُّقْصَانُ.
قَالَ: وَتَلَفُ الدَّابَّةِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ إلَّا الْمُعْتَادَ كَالِانْمِحَاقِ، وَعَرَقُهَا وَعَرَجُهَا كَالِانْسِحَاقِ. قَوْلُهُ: (فَتُضْمَنُ فِي آخِرِ إلَخْ) يَعْنِي آخِرَ حَالَةٍ يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ فِيهَا، وَمُقَابِلُهُ يَضْمَنُهَا كُلَّهَا.