للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُطَالَبُ كَالْأَوَّلِ. (وَكَذَا إنْ جَهِلَ) الْغَصْبَ (وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ) ، فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ، (وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ، فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ) فِيمَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُودِعِ وَنَحْوِهِ.

(وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ) أَيْ بِالْإِتْلَافِ، (فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) أَيْ فِي يَدِ الضَّمَانِ وَيَدِ الْأَمَانَةِ لِقُوَّةِ الْإِتْلَافِ، (وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَكَذَا) الْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ (فِي الْأَظْهَرِ) ، وَالثَّانِي عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْآكِلِ. (وَعَلَى هَذَا) أَيْ الْأَظْهَرِ (لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ) وَعَلَى الثَّانِي لَا يَبْرَأُ.

ــ

[حاشية قليوبي]

مَنْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعُقَلَاءِ، أَوْ بِشَمْسٍ، أَوْ بِرِيحٍ هَابَّةٍ وَقْتَ الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ) أَيْ بِسَبَبِهِ يَقِينًا، فَدَخَلَ مَا لَوْ سَقَطَ بِمَا تَقَاطَرَ مِنْهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَخَرَجَ مَا لَوْ شَكَّ فِي سَبَبِ سُقُوطِهِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ، وَشَكَّ فِي سَبَبِ غَرَقِهَا حَيْثُ يَضْمَنُهَا بِأَنَّ الْمَاءَ مَعْدِنُ غَرَقِ السُّفُنِ. قَوْلُهُ: (بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ) وَمِثْلُهُ الزَّلْزَلَةُ، قَالَ شَيْخُنَا م ر: أَوْ وُقُوعُ طَيْرٍ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ مَا مَرَّ عَنْهُ، إنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْعَاقِلِ كَالرِّيحِ الْهَابَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِوُقُوعِهِ هُنَا سُقُوطُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ، وَخَرَجَ بِالْعَارِضَةِ الْهَابَّةُ كَمَا مَرَّ، وَفَارَقَ الضَّمَانَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مُطْلَقًا بِأَنَّ طُلُوعَهَا مُحَقَّقٌ. نَعَمْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ حَاجِبٌ مِنْ وُصُولِ الشَّمْسِ فَأَزَالَهُ شَخْصٌ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزِيلِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مَا فِيهِ بِتَقْرِيبِ نَارٍ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُقَرِّبِ. قَوْلُهُ: (لَا يَفْعَلُهُ) الْوَجْهُ سُقُوطُ هَذِهِ الْعِلَّةِ لِوُجُودِ مِثْلِهَا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (طَائِرٍ) هُوَ مُفْرَدٌ جَمْعُهُ طَيْرٌ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ: كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ، وَجَمْعُ الطَّيْرِ طُيُورٌ وَأَطْيَارٌ كَعَيْنٍ وَعُيُونٍ، وَفَرْخٍ وَأَفْرَاخٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اسْمَ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى الْمُتَّصِفِ بِالطَّيَرَانِ كَمَا تُوُهِّمَ، وَهُوَ مِثَالٌ. وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَوْ رَقِيقًا وَحَلُّ رِبَاطِهِ وَفَتْحُ بَابٍ عَلَيْهِ، وَأَمْرُهُ بِإِرْسَالِ طَيْرٍ فِي يَدِهِ مَثَلًا كَفَتْحِ الْقَفَصِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي ضَمَانِهِ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ كَأَكْلِهِ نَحْوِ شَعِيرٍ فِي وِعَاءٍ قَرِيبَةٍ مِنْ مَحَلِّ رِبَاطِهِ، وَوُقُوعِ نَحْوِ فَأْرَةٍ فِي زِقٍّ كَذَلِكَ، وَكَسْرِ نَحْوِ زُجَاجَةٍ فِي طَرِيقِهِ، وَصَدْمِ جِدَارٍ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَوْ رَقِيقًا كَأَنْ فَتَحَ بَابًا عَلَيْهِ فَأَبَقَ، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ الْإِبَاقَ. وَالضَّمَانُ الْمَذْكُورُ هُنَا الْعَامُّ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ لَا يُنَافِي التَّفْصِيلَ الْآتِيَ فِي الصِّيَالِ مِنْ كَوْنِ الْإِتْلَافِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي دَابَّةٍ مَنْسُوبٍ حِفْظُهَا إلَيْهِ، وَالتَّلَفُ فِيهِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحِفْظِ وَعَدَمِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّ بِهِ يُجْمَعُ مَا تَنَاقَضَ وَتَنَافَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

تَنْبِيهٌ: هَلْ الضَّمَانُ هُنَا بِقِيمَةِ وَقْتِ السَّبَبِ كَالْفَتْحِ، أَوْ بِوَقْتِ التَّلَفِ، أَوْ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ، أَوْ أَقْصَى الْقِيَمِ فِي ذَلِكَ؟ وَيَظْهَرُ الْآنَ الْأَخِيرُ وَهُوَ أَقْصَى الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا لِمَا تَلِفَ فِي يَدِ مَالِكِهِ، فَبِوَقْتِ تَلَفِهِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ، وَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ أَيْ الْمُتَسَبِّبِ وَلِلْمَفْعُولِ التَّالِفِ. قَوْلُهُ: (إنْ طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ) وَكَذَا بَعْدَ مَشْيِهِ إلَى بَابِ الْقَفَصِ، أَوْ بَعْدَ تَرَدُّدِهِ فِيهِ لِأَجْلِ أَنْ يَجِدَ فُرْجَةً يَخْرُجُ مِنْهَا حَتَّى وَجَدَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَارَ فَلَا يَضْمَنُ) وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ طَارَ حَالًا أَوْ لَا فَالْقِيَاسُ الضَّمَانُ نَظَرًا لِلتَّعَدِّي فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَضْمَنُ مُطْلَقًا) كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ صَغِيرَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْظَرْ إلَى الِارْتِضَاعِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الصَّغِيرَةِ كَمَا هُنَا، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ إلْقَامَ الثَّدْيِ إلْجَاءٌ عَادِيٌّ فَتَأَمَّلْهُ.

قَوْلُهُ: (أَيْدِي ضَمَانٍ) قَالَ شَيْخُنَا: ضَمَانُ غَصْبٍ وَإِنْ جُهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ أَمِينَةً فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُتْلِفْهُ. نَعَمْ لَا ضَمَانَ عَلَى حَاكِمٍ وَنَائِبِهِ بِالْأَخْذِ لِمَصْلَحَةٍ لِجَوَازِ الْأَخْذِ لَهُمَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْأَخْذُ إذَا عَلِمَا ضَيَاعَهُ عَلَى مَالِكِهِ بِعَدَمِ الْأَخْذِ، وَلَا عَلَى الْآخِذِ مِنْ غَاصِبٍ حَرْبِيٍّ أَوْ مِنْ عَبْدٍ غَاصِبٍ مَالَ سَيِّدِهِ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ فِيهِمَا، وَلَا عَلَى مُتَزَوِّجِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْ غَاصِبٍ جَاهِلًا بِالْغَصْبِ، فَلَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا إنْ مَاتَتْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ، وَإِلَّا ضَمِنَهَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا يَضْمَنُ مَهْرَهَا أَرْشَ بَكَارَتِهَا مُطْلَقًا، وَمِثْلُهَا مَنْ أَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ، وَلَوْ غُرَّ الزَّوْجُ بِحُرِّيَّةِ الْمَغْصُوبَةِ انْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا، فَإِذَا رَدَّهَا حَامِلًا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِلْحُيُولَةِ، فَإِنْ لَمْ تَمُتْ بِالْوِلَادَةِ رُدَّتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَيَلْزَمُ الْوَاطِئَ مَهْرُهَا وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا وَقِيمَةُ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (إنْ عَلِمَ) وَيُصَدَّقُ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: أَعْلَمْتُك أَوْ عَلِمْت مِنْ غَيْرِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ

ــ

[حاشية عميرة]

الْمَتْنِ: (وَإِنْ اقْتَصَرَ إلَخْ) قَالُوا فِي الْمَرْأَةِ: إذَا ارْتَضَعَتْ صَغِيرَةٌ مُتَزَوِّجَةً، إنَّ الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُرْضِعَةِ مُطْلَقًا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الِارْتِضَاعِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الصَّغِيرَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ غَامِضٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: الْفَرْقُ أَنَّ إلْقَامَ الثَّدْيِ إلْجَاءٌ عَادِيٌّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ إنْ عُلِمَ إلَخْ) لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: قَدْ قُلْت لَك إنَّهُ مَغْصُوبٌ، وَأَنْكَرَ الْآخِذُ صُدِّقَ، أَوْ قَالَ: عَلِمْت الْغَصْبَ مِنْ غَيْرِي صُدِّقَ الْآخِذُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْوَجْهُ تَصْدِيقُ الْآخِذِ مُطْلَقًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَفَرَضَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ تَفَقُّهًا، فَلِذَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ السُّبْكِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ: لَوْ وَهَبَ الْغَاصِبُ ثُمَّ قَالَ: أَعْلَمْتُك بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ الْغَاصِبُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: عَلِمْت مِنْ غَيْرِي. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمُخْتَارُ تَصْدِيقُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الضِّيَافَةِ: فَلَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ حَمَلَهُ إلَخْ) قَسِيمُ قَوْلِهِ مُسْتَقِلًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>