(يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا) بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا يَشَاءُ. (فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَاضِيهمْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ بِلَا أَلْفٍ (مِنْهَا فَضَاقَ الْمَاءُ عَنْهُمْ وَبَعْضُهُمْ أَعْلَى سَقَى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ارْتِفَاعٌ) مِنْ طَرَفٍ (وَانْخِفَاضٌ) مِنْ طَرَفٍ (أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ) بِمَا هُوَ طَرِيقُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ طَرِيقُهُ، أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعَ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَفِي بِالْجَمِيعِ سَقَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَتَى شَاءَ. (وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فِي إنَاءٍ مُلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي لَا يُمْلَكُ لَكِنَّ آخِذَهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ
(وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ) دُونَ التَّمَلُّكِ (أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْتَحِلَ) فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَ كَغَيْرِهِ، وَقَبْلَ ارْتِحَالِهِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَا فَضَلَ عَنْهُ عَنْ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، لِلشُّرْبِ إذَا اسْتَقَى بِدَلْوِ نَفْسِهِ وَلَا مَنْعُ مَوَاشِيه، وَلَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ سَقْيِ الزَّرْعِ بِهِ (وَالْمَحْفُورَةُ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ يَمْلِكُ) حَافِرُهَا (مَاءَهَا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مَلَكَهُ كَالثَّمَرَةِ وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُهُ لِحَدِيثِ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَسَوَاءً مَلَكَهُ أَمْ لَا لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ وَيَجِبُ لِمَاشِيَةٍ)
ــ
[حاشية قليوبي]
أَلْفِ قِطَاعٍ بِالطَّوَارِئِ، وَالْأَعْلَاقُ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا لِخُصُوصِ الصَّعِيدِ، وَالْبَاقِي لِبَقِيَّةِ الْإِقْلِيمِ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا) وَلَوْ كُفَّارًا فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا تَحَجُّرٌ وَلَا إقْطَاعٌ وَلَا إرْفَاقٌ فَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُهُ إجْمَاعًا نَعَمْ مَا وُجِدَ تَحْتَ يَدِ أَحَدٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ لَهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْبَعُهُ مِنْ مَوَاتٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ. قَوْلُهُ: (مَا يَشَاءُ) أَيْ إنْ اتَّسَعَ وَكَفَى الْجَمِيعَ وَإِلَّا قُدِّمَ عَطْشَانُ. وَلَوْ مَسْبُوقًا عَلَى غَيْرِهِ وَآدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ عَلَى غَيْرِهِ. وَسَابِقٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ لِحَاجَةِ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ لِحَاجَةِ دَوَابِّهِمْ، وَلَا تَدْخُلُ دَوَابُّهُمْ فِي قُرْعَتِهِمْ نَعَمْ قِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا إقْرَاعَ. قَوْلُهُ: (الْأَعْلَى) أَيْ الْأَقْرَبُ إلَى الْمَاءِ، فَالْأَقْرَبُ وَهَذَا إنْ عُلِمَ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ أَوْ جُهِلَ الْحَالُ، فَإِنْ عُلِمَ سَبْقُ الْأَبْعَدِ قُدِّمَ فَإِنْ اسْتَوَوْا قُرْبًا وَجُهِلَ الْأَسْبَقُ وَأَحْيَوْا مَعًا أَقُرِعَ وُجُوبًا وَلِلْأَبْعَدِ مَنْعُ، مَنْ يُرِيدُ إحْيَاءَ مَوَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ خَشْيَةَ إثْبَاتِ حَقِّ سَبْقِهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ) وَإِنْ لَزِمَ هَلَاكُ زَرْعِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) الْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ عَادَةِ الزُّرُوعِ، وَالْأَرْضِ وَالْوَقْتِ وَلَوْ احْتَاجَ بَعْضُهُمْ لِسَقْيٍ ثَانِيًا مُكِّنَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فِي إنَاءٍ) وَمِنْهُ كِيزَانُ نَحْوِ الدَّوَالِي وَمِثْلُهُ نَحْوُ الْأَحْوَاضِ وَالْمَصَائِدِ وَلَا يَحْرُمُ رَدُّهُ إلَى الْمَاءِ وَلَا يَصِيرُ شَرِيكًا بِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ أُدْخِلَ الْمَاءُ مِلْكَهُ مِنْ نَحْوَ سَيْلٍ، أَوْ نَهْرٍ فَلَا يَمْلِكُهُ لَكِنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلِغَيْرِهِ السَّقْيُ مِنْهُ وَالْأَخْذُ مِنْهُ بِنَحْوِ دَلْوٍ، وَاسْتِعْمَالُهُ نَعَمْ إنْ سُدَّ عَلَيْهِ مَلَكَهُ، إنْ قَصَدَ تَمَلُّكَهُ وَإِنْ كَثُرَ.
قَوْلُهُ: (لِلِارْتِفَاقِ) أَيْ ارْتِفَاقِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ تَلَفَّظَ بِذَلِكَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَوْدَ وَلَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَحْفُورَةُ) أَيْ فِي الْمَوَاتِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ أَيْ مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (يَمْلِكُ حَافِرُهَا مَاءَهَا) وَالنَّابِعَةُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْمَحْفُورَةِ. قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ إلَخْ) وَحُمِلَ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ مِنْهَا وَقُدِّمَ الْقِيَاسُ قَبْلَهُ عَلَيْهِ لِاعْتِضَادِهِ بِحَدِيثِ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ» ، إلَّا مَا كَانَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَا كَانَتْ فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ، أَوْ الْمُرَادُ الِانْتِفَاعُ بِضَوْئِهَا أَوْ بِالْإِضَاءَةِ مِنْهَا إذْ لَيْسَ لِمَالِكِهَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، نَعَمْ لَهُ إطْفَاؤُهَا، وَلَوْ بِقَصْدِ مَنْعِ غَيْرِهِ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ الْمِيلُ إلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ، وَفِيهِ بُعْدٌ أَمَّا أَخْذُ جُزْءٍ مِنْ جُرْمِهَا فَمَمْنُوعٌ بِغَيْرِ رِضًا؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَوْ مُخْتَصٌّ بِصَاحِبِهَا. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ أَمْ لَا) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُقَابِلِهِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِمَسْأَلَةِ الِارْتِفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِتَقْيِيدِهِ الْأَوَّلَ بِالشُّرْبِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَذْلُ مَا فَضَلَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ طَمُّ الْبِئْرِ بَعْدَ حَفْرِهَا فِي الْمَوَاتِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ آلَاتِ الِاسْتِقَاءِ كَدَلْوٍ وَرَشًا وَلَا بَذْلُ الْكَلَأِ مُطْلَقًا وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ إذَا اسْتَقَى بِدَلْوِ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ النَّاجِزَةِ فِيمَا يُخْلِفُ، وَإِلَّا فَمُطْلَقًا وَشَمِلَ حَاجَتَهُ لِنَفْسِهِ وَمَوَاشِيه وَزَرْعِهِ، فَزَرْعُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى نَفْسِ غَيْرِهِ،
[حاشية عميرة]
الْفَتْوَى عَلَى هَذَا، وَسَوَاءٌ كَانَ جَارِيًا أَوْ جَامِدًا.
قَوْلُهُ: (يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا) أَيْ فَلَا تُمْلَكُ بِإِقْطَاعٍ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا تَحَجُّرٌ، وَكَذَا حُكْمُ حَافَّتَيْ النَّهْرِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا إقْطَاعُهُ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْبِنَاءِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ، كَمَا عَمَّتْ بِالْبِنَاءِ فِي الْقَرَافَةِ مُسْبَلَةً. قَوْلُ الْمَتْنِ: (صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ، ثُمَّ أَرْسِلْ إلَى جَارِك» . قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا بَلَغَ الْمَاءُ إلَى الْكَعْبَيْنِ بَلَغَ أَصْلَ الْجَدْرِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْحَائِطُ عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَخَرَجَ بِالْإِنَاءِ دُخُولُ السَّيْلِ فِي مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ: لَوْ رَدَّ الْمَاءَ الَّذِي حَازَهُ إلَى النَّهْرِ لَمْ يَصِرْ شَرِيكًا فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ: (لِلِارْتِفَاقِ) أَيْ لِارْتِفَاقِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ بِلَا قَصْدِ إرْفَاقٍ لَا تُمْلَكُ، أَوْ بِقَصْدِ ارْتِفَاقِ الْمَارَّةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْمَالِ وَالْكَلَا إلَخْ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَرَادَ بِالْمَاءِ مَاءَ السَّمَاءِ، وَمَاءَ الْعُيُونِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَأَرَادَ بِالْكَلَأِ مَرَاعِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَأَرَادَ بِالنَّارِ الشَّجَرَ الَّذِي يَحْتَطِبُهُ النَّاسُ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّارُ إذَا أَضْرَمَتْ فِي حَطَبٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ اهـ. أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَالْجَمْرُ نَفْسُهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا الْجُرْمُ الْمُضِيءُ فَالْوَجْهُ عَدَمُ مَنْعِ مَنْ يَقْتَبِسُ مِنْهُ ضَوْءًا كَالِاسْتِنَادِ لِجِدَارِ الْغَيْرِ، وَأَظُنُّ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي بَابِ الصُّلْحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute