(فَإِنْ مَلَّكَ مُحْتَاجًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ) أَيْ لِأَجْلِهِ شَيْئًا. (فَصَدَقَةٌ فَإِنْ نَقَلَهُ إلَى مَكَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إكْرَامًا لَهُ فَهَدِيَّةٌ) فَكُلٌّ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْهَدِيَّةِ هِبَةٌ، وَلَا عَكْسَ وَغَيْرُهُمَا اقْتَصَرَ عَلَى اسْمِ الْهِبَةِ، وَانْصَرَفَ الِاسْمُ عَنْ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ. (وَشَرْطُ الْهِبَةِ) أَيْ لِتَتَحَقَّقَ (إيجَابٌ وَقَبُولٌ لَفْظًا) نَحْوُ وَهَبْت لَك هَذَا فَيَقُولُ قَبِلْت. (وَلَا يَشْتَرِطَانِ فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ هَذَا وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْمُشْتَرَطُ قَاسَهَا عَلَى الْهِبَةِ وَحَمَلَ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَرَدَّ بِتَصَرُّفِهِمْ فِي الْمَبْعُوثِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الصَّدَقَةُ كَالْهَدِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ وَقَوْلُهُ لَفْظًا تَأْكِيدٌ وَنَصَبَهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ الْبَاءِ (وَلَوْ قَالَ) بَدَلَ وَهَبْتُك. (أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ) أَيْ جَعَلْتهَا لَك عُمُرَك. (فَإِذَا مِتّ فَهِيَ لِوَرَثَتِك فَهِيَ هِبَةٌ) طَوَّلَ فِيهَا الْعِبَارَةَ. (وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْمَرْتُكَ) هَذِهِ الدَّارَ (فَكَذَا) أَيْ هِيَ هِبَةٌ. (فِي الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمِ الْبُطْلَانُ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْمَرْتُكَ سَنَةً. (لَوْ قَالَ) بَعْدَهُ (فَإِذَا مِتّ عَادَتْ إلَيَّ فَكَذَا) أَيْ هِيَ هِبَةٌ. (فِي الْأَصَحِّ) عَلَى الْجَدِيدِ وَيَلْغُو الشَّرْطُ وَالثَّانِي يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَعَلَى الْقَدِيمِ، تَبْطُلُ مِنْ بَابِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ. (وَلَوْ قَالَ أَرْقَبْتُك) هَذِهِ الدَّارَ (أَوْ جَعَلْتهَا لَك رُقْبَى أَيْ إنْ مِتّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ وَإِنْ مِتّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك فَالْمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ) فَالْجَدِيدُ يَصِحُّ هِبَتُهُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ إنْ مِتّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، وَالْقَدِيمُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَالرُّقْبَى مِنْ الرَّقُوبِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ،
ــ
[حاشية قليوبي]
عِوَضٍ التَّطَوُّعُ فَيَخْرُجُ الْبَيْعُ، وَنَحْوُهُ وَالنَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ كَوْنِهِ فِي حَيَاةٍ لِتَخْرُجَ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ. قَوْلُهُ: (مُحْتَاجًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ) لَيْسَ قَيْدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَقَوْلُهُ لِأَجْلِهِ أَيْ فِي الثَّوَابِ الْوَاقِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ حَالَ الْإِعْطَاءِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَقَدْ يَكُونُ ذَكَرَهُ احْتِرَازًا عَنْ ثَوَابِ الدُّنْيَا الْآتِي الَّذِي تَكُونُ الْهِبَةُ مَعَهُ بَيْعًا لَا خُصُوصَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَقَلَهُ) لَعَلَّهُ لِلْأَغْلَبِ لِأَنَّ مِنْ الْهَدِيَّةِ الْعَقَارُ مَثَلًا وَلَيْسَ فِيهِ نَقْلٌ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ مَا يَشْمَلُ الْبَعْثَ بِهِ إلَيْهِ مَعَ وَكِيلِهِ مَثَلًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنْ بِالْوَاوِ لِإِيهَامِ الْفَاءِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ قِسْمٌ مِنْ الصَّدَقَةِ مَرْدُودٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الصَّدَقَةَ لَازِمَةٌ لِلْهَدِيَّةِ، وَبِفَرْضِ عَدَمِ ذَلِكَ قَدْ يَجْتَمِعَانِ، كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ النَّقْلُ وَالْحَاجَةُ. قَوْلُهُ: (إكْرَامًا) أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَقَدْ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ نَحْوِ رِشْوَةٍ وَإِعْطَاءِ نَحْوِ شَاعِرٍ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ. قَوْلُهُ: (فَهَدِيَّةٌ) وَلَعَلَّ مِنْهَا خِلَعَ الْمُلُوكِ الْمَعْرُوفَةُ وَكِسْوَةَ نَحْوِ الْحَاجِّ إذَا قَصَدَ دَافِعُهَا عَدَمَ الرُّجُوعِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا عَكْسَ) أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً، وَهَدِيَّةً وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الْحَلِفِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ حَلَفَ لَا يُهْدِي لَمْ يَحْنَثْ بِصَدَقَةٍ وَهِبَةٍ، أَوْ لَا يَهَبُ حَنِثَ بِهِمَا، وَعِتْقُ عَبْدِهِ وَإِبْرَاءُ مَدِينِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذَلِكَ) يُفْهِمُ أَنَّ هُنَاكَ قِسْمًا آخَرَ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَكُلُّهَا مَنْدُوبَةٌ وَأَفْضَلُهَا الصَّدَقَةُ. نَعَمْ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ. قَوْلُهُ: (لِتَتَحَقَّقَ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الرُّكْنُ، وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ وَاهِبٌ وَمَوْهُوبٌ وَمَوْهُوبٌ لَهُ وَصِيغَةٌ.
قَوْلُهُ: (إيجَابٌ وَقَبُولٌ) وَلَوْ ضِمْنًا كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَخَرَجَ بِذَلِكَ إلْبَاسُ الْوَلِيِّ حُلِيًّا مَثَلًا لِمَحْجُورِهِ، أَوْ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ هـ، فَلَيْسَ هِبَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمَا، وَيُصَدَّقَانِ أَنَّهُ لَيْسَ هِبَةً بِالْيَمِينِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الصِّيغَةِ هُنَا مَا فِي الْبَيْعِ، فَلَوْ أَوْجَبَ لَهُ شَيْئَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا أَوْ شَيْئًا فَقَبِلَ بَعْضَهُ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا عَنْ وَالِدِهِ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ فِي الْوَلَدِ. وَمَا وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُهْدِيَ لَهُ سَمْنٌ وَأَقِطٌ وَكَبْشٌ فَرَدَّ الْكَبْشَ وَقَبِلَ الْآخَرَيْنِ» ، فَذَلِكَ مِنْ الْهَدِيَّةِ لَا الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (نَحْوَ وَهَبْت لَك) أَوْ وَهَبْتُك أَوْ مَنَحْتُك أَوْ عَظَّمْتُك أَوْ مَلَّكْتُك أَوْ أَكْرَمْتُك أَوْ أَنْحَلْتُكَ أَوْ أَطْعَمْتُك وَلَوْ لِغَيْرِ طَعَامٍ، وَكُلُّهَا صَرَائِحُ وَمِنْ الْكِنَايَةِ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعَارِيَّةَ. قَوْلُهُ: (لَفْظًا تَأْكِيدٌ) لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِهِ، وَلَا يَرِدُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ اللَّفْظِ. قَوْلُهُ: (الدَّارَ) أَوْ الدَّابَّةَ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (فَهِيَ هِبَةٌ) إنْ عَرَفَ مَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا وَيُصَدَّقُ مَنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِمَعْنَاهُ، وَأَمْكَنَ وَمِثْلُ جَعَلْته لَك وَهَبْتُك وَمِثْلَ عُمُرِكَ مَا عِشْت بِخِلَافِ عُمْرِي، أَوْ عُمَرَ زَيْدٍ أَوْ سَنَةً، فَلَا تَصِحُّ وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ أَرْقَبَ كُلٌّ مِنْ شَرِيكَيْنِ، أَوْ مَالِكَيْنِ دَارًا عَلَى الْآخَرِ، أَوْ قَالَ كُلٌّ هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا فَيَصِحُّ.
قَوْلُهُ: (وَيَلْغُو الشَّرْطُ) وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَهُ أَوْ صِحَّتَهُ وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَلْغُو فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ إلَّا هَذَا وَذَلِكَ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُحْتَاجًا) مِثْلُهُ غَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ: لِثَوَابِ الْآخِرَةِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ وَمَلَكَهُ لِأَجْلِ حَاجَتِهِ لَا يَكُونُ صَدَقَةً وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ نَقَلَهُ) الْوَاوُ أَحْسَنُ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْهَدِيَّةَ نَوْعٌ مِنْ الصَّدَقَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إكْرَامًا) خَرَجَ بِهِ الرِّشْوَةُ، وَمَا يُعْطَى لِلشَّاعِرِ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَهَدِيَّةٌ) مِنْهَا الْهَدْيُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ إلَى مَكَّةَ.
قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ الْبُطْلَانُ) أَيْ «لِقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك، فَأَمَّا إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْت فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا» .
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَيْ إنْ مِتّ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ تَفْسِيرٌ لِلصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ اهـ. وَقَضِيَّةُ الْمِنْهَاجِ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ إلَخْ يَقْتَضِي الثَّانِيَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الَّذِي فِي الْمِنْهَاجِ صُورَةُ السُّكُوتِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الَّذِي فِيهِ صُورَةِ التَّفْسِيرِ. قَوْلُهُ: (الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ) لِأَنَّ هَذَا اشْتِرَاطٌ فِي الْعُمْرَى كَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ.