يَئُولَ إلَى اللُّزُومِ بِخِلَافِهِمَا، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ضَمُّ الْهَدِيَّةِ إلَى الْمَوْهُوبِ، وَمِثْلُهَا الْمُتَصَدِّقُ لَهُ، وَقَوْلُهُمْ يَقْبِضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ ظَاهِرٌ فِي الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يُحْتَاجُ فِي إقْبَاضِهِ إلَى إذْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ النَّصِّ لَوْ قِيلَ لَهُ وَهَبْت دَارَك لِفُلَانٍ، وَأَقْبَضْته فَقَالَ نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا بِالْهِبَةِ وَالْإِقْبَاضِ وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِقْبَاضِ أَيْضًا وَكَيْفِيًّا الْقَبْضُ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ.
(وَيُسَنُّ لِلْوَالِدِ الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَقِيلَ كَقِسْمَةِ الْإِرْثِ) فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فَقَدْ فَعَلَ مَكْرُوهًا زَادَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْأُمَّ فِي ذَلِكَ كَالْأَبِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَكَذَا الْوَلَدُ لِوَالِدَيْهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ فَضَّلَ فَلْيُفَضِّلْ الْأُمَّ انْتَهَى. (وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ، وَكَذَا لِسَائِرِ الْأُصُولِ) مِنْ الْأُمِّ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ (عَلَى الْمَشْهُورِ) وَالثَّانِي لَا رُجُوعَ لِغَيْرِ الْأَبِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً، فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ قَصَرَهُ الثَّانِي عَلَى الْأَبِ وَعَمَّمَهُ الْأَوَّلُ فِي كُلِّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ. (وَشَرْطُ رُجُوعِهِ) أَيْ الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ. (بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ الْمُتَّهَبِ فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِبَيْعِهِ وَوَقْفِهِ) وَكِتَابَتِهِ وَإِيلَادِهِ. (لَا بِرَهْنِهِ وَهِبَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) فِيهِمَا (وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ) وَتَدْبِيرِهِ.
(وَتَزْوِيجُهَا وَزِرَاعَتُهَا) لِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ (وَكَذَا الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ: إنْ لَمْ يُصَحَّحْ بَيْعُ الْمُؤَجِّرِ، فَفِي الرُّجُوعِ تَرَدُّدٌ، وَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِوَلَدِ الْمُتَّهَبِ لَا يَرْجِعُ فِيهَا الْجَدُّ. (وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ) أَيْ الْمَوْهُوبِ (وَعَادَ) بِإِرْثٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْتَاجُ فِي إقْبَاضِهِ إلَى إذْنِهِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ) فِي قَبْضِ الْعَيْنِ وَفِي الْإِجَارَةِ فِي قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ. نَعَمْ لَا يَكْفِي الْإِتْلَافُ هُنَا بِغَيْرِ إذْنٍ، وَلَا مَعَهُ إلَّا فِي نَحْوِ أَكْلٍ وَعِتْقٍ، وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا فِي الْهَدِيَّةِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِلْوَالِدِ) وَالْإِخْوَةُ كَالْأَوْلَادِ. قَوْلُهُ: (فِي عَطِيَّةٍ إلَخْ) الشَّامِلُ لِلصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالْهَدِيَّةِ وَمِثْلُهَا الْكَلَامُ وَالتَّوَدُّدُ وَلَوْ نَحْوُ صِلَةٍ. قَوْلُهُ: (فَعَلَ مَكْرُوهًا) مَا لَمْ تَكُنْ مَزِيَّةٌ لِأَحَدِهِمْ كَعِلْمٍ وَفَضْلٍ وَحَاجَةٍ، نَعَمْ يُنْدَبُ حِرْمَانُ نَحْوِ فَاسِقٍ وَعَاقٍّ بَلْ يَحْرُمُ إنْ زَادَ عُقُوقُهُ أَوْ فِسْقُهُ بِهِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ) لِأُمِّهِمَا لِلْجِنْسِ، فَيَشْمَلُ الْأَعْلَى مَعَ دُونِهِ، وَكَذَا فِي الْوَلَدِ وَالْخُنْثَى كَالذَّكَرِ. قَوْلُهُ: (الرُّجُوعُ) وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَوْ تَرَاخَى فِيهِ وَمِنْهُ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لِوَلَدِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ بِالْهِبَةِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ لَا فِي مَنْفَعَةٍ دُونَ رَقَبَةٍ، وَلَا فِي أُمٍّ دُونَ وَلَدٍ، يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفْرِيقُ أَوْ عَكْسُهُ. قَوْلُهُ: (فِي هِبَةٍ إلَخْ) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَدُهُ) وَعَبْدُ وَلَدِهِ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ مِثْلُهُ، وَالْكَلَامُ فِي الْوَلَدِ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْحَيِّ فِي هِبَةِ عَيْنٍ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ، فَلَا رُجُوعَ فِي الْهِبَةِ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهَا لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَلَا الْمَجْنُونُ وَنَحْوُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَلَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْوَلَدُ تَوَقَّفَ الرُّجُوعُ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَلَوْ وَهَبَ الْمُسْلِمُ لِوَلَدِهِ الْكَافِرِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَوَرِثَهُ الْجَدُّ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَا فِيمَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَا كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهُ مِنْ أُضْحِيَّةٍ أَوْ زَكَاةٍ بِشَرْطِهَا وَدَخَلَ فِي وَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ لَكِنْ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ، وَالرُّجُوعُ مُبَاحٌ إذَا اسْتَوَى مَعَ عَدَمِهِ، وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا مُيِّزَ بِهِ بِغَيْرِ مَزِيَّةٍ وَمَكْرُوهٌ إنْ اسْتَوَى كَمَا مَرَّ، وَوَاجِبٌ إنْ انْزَجَرَ بِهِ عَنْ نَحْوِ فِسْقٍ وَحَرَامٌ إنْ زَادَ بِهِ الْفِسْقُ، وَبَعْدَ الرُّجُوعِ يَكُونُ فِي يَدِ الْوَلَدِ أَمَانَةً إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (بَيْعُهُ) إنْ زَالَ مِلْكُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ خِيَارًا، وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي وَمِنْ الْبَيْعِ قِسْمَةُ الرَّدِّ وَالتَّعْدِيلِ وَبَيْعُهُ لِأَصْلِهِ كَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَكِتَابَتُهُ) أَيْ الصَّحِيحَةُ وَإِذَا عَجَزَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْإِجَارَةُ) وَلَا تَنْفَسِخُ بِالرُّجُوعِ كَالتَّزْوِيجِ وَالْأُجْرَةِ لِلْوَلَدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَبِ. فَرْعٌ الِاسْتِيلَادُ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَالْوَقْفِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ حَبًّا وَزَرَعَهُ أَوْ بَيْضًا فَفَرَّخَ أَوْ صَيْدًا أَوْ حُرِمَ الْوَلَدُ. قَوْلُهُ: (وَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالرَّهْنِ) بَعْدَ قَبْضِهِ إلَّا إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْأَصْلَ، أَوْ قَضَى الْأَصْلُ دَيْنَ الرَّهْنِ كُلَّهُ، أَوْ انْفَكَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ كَالرَّهْنِ، فِيمَا ذُكِرَ وَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِحَجْرِ السَّفَهِ وَحَجْرِ الْفَلَسِ، وَتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ وَمَوْتِ الدَّابَّةِ وَمَرَضِ الْمَوْتِ، فَإِنْ زَالَ ذَلِكَ بِفَكِّ الْحَجْرِ وَتَخَلُّلِ الْعَصِيرِ وَدَبْغِ الْجِلْدِ جَازَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ ادَّعَى الْأَصْلُ الرُّجُوعَ قَبْلَ زَوَالِ السَّلْطَنَةِ لَمْ يُقْبَلْ.
قَوْلُهُ: (لَا يَرْجِعُ فِيهَا الْجَدُّ) وَإِنْ رَجَعَ الْأَبُ. قَوْلُهُ: (زَالَ مِلْكُهُ) خَرَجَ مَا لَوْ زَالَتْ سَلْطَنَتُهُ، وَعَادَتْ فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ كَمَا مَرَّ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ فَتَأَمَّلْهُ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (كَانَ إقْرَارًا بِالْهِبَةِ إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِإِذْنٍ، فَيَكُونُ فِيهِ شَاهِدٌ لِمَا سَلَف لَهُ مِنْ أَنَّ الْإِقْبَاضَ يُغْنِي عَنْ الْإِذْنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ لِلْوَالِدِ الْعَدْلِ) لِأَنَّ التَّفَاضُلَ يُفْضِي إلَى الْعُقُوقِ وَالتَّحَاسُدِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) أَيْ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «أَيَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا لَك فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَلَا إذًا» . قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي هِبَةِ وَلَدِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ: وَلَوْ أَقَرَّ الْأَبُ لِابْنِهِ بِعَيْنٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ. قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَيْهَا تَنْزِيلًا عَلَى أَضْعَفِ الْمِلْكَيْنِ وَهُوَ الْهِبَةُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِسَائِرِ الْأُصُولِ) أَيْ كَمَا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَحُصُولِ الْعِتْقِ، وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ، ثُمَّ الْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِهِمْ وَفَوْرُ شَفَقَتِهِمْ، فَلَا يَرْجِعُونَ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ غَالِبًا. فَرْعٌ لَوْ وَهَبَ الْمُسْلِمُ لِوَلَدِهِ الْكَافِرِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ فَوَرِثَهُ جَدُّ الِابْنِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ