للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معناه: إني سأذبحك. فكأنه أمر بذبحه في المنام، وكانت رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحياً، يجب العمل به، ولهذا قال: (افعل ما تؤمر) ثم نسخه: (بذبح عظيم) ، وهذا نص يدل على جواز نسخ الحكم قبل وقته.

فإن قيل: إبراهيم كان مأموراً بمقدمات الذبح، من الإضجاع وأخذ المُديَة ونحو ذلك. دون الذبح نفسه، وإنما سمي ذلك ذبحاً؛ لأن مقدمة الشيء قد تسمى باسم ذلك الشيء، ألا ترى أنهم يسمون النائحة باكية؛ لأنها تفعل مقدمات البكاء والأسباب التي يبكي عندها.

وكذلك يسمى المريض المخوف عليه ميتاً؛ لحصول مقدمات الموت.

قالوا: ويبين هذا قوله تعالى: (قَدْ صَدّقْتَ الرؤيَا) (١) ، ولو كان الواجب عليه الذبح بعينه، لم يكن قد صدق رؤياه وهو لم يذبحه، فعلم بذلك أنه كان مأموراً بمقدمات الذبح.

قيل: هذا لا يصح لوجوه:

أحدها: أنه قال: (إنِّي أَرَىَ فِي الْمَنَامِ) والذَّبح: اسم للشق والفتح، ولا يعبر به عن مقدماته، لا حقيقة ولا مجازاً. ومنه قول الشاعر:

كأن بين فَكِّها والفَكِّ ... فَأرةُ مِسْك ذُبِحَت في سَكِّ (٢)

يعني به: الفتح والشق.


(١) (١٠٥) سورة الصافات.
(٢) هذا الرجز للشاعر منظور بن مرثد الأسدي.
هكذا نسبه ابن يعيش في شرحه على المفصل (٤/١٣٨) ، وفي (٨/٩١) ، وذكر قبله قوله:
يا حبذا جارية من عَكِّ ... تَعْقِد المُرْطَ على مِدَك
مثل كثيب الرمل غير رَكِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>