للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن علي أنه كان ما يسمع الخبر حتى يستحلف عليه (١) .

فثبت: أنهم ما قبلوا خبر الواحد بانفراده.

قيل: يحتمل أن يكونوا فعلوا ذلك احتياطاً، ولهذا روي عن عمر أنه لما فعل ذلك قال: خفت أن يجترأ على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فكأنه احتاط، فأما أن يكون فعله على الوجوب فلا.

وكذلك ما كان عَلِيّ يفعله من اليمين، كان على طريق الاحتياط، ولهذا قبل قول أبي بكر بغير يمين. ولأن من لا يقبل خبر الواحد، لا يقبله مع اليمين أيضاً.

وأيضاً: فقد ثبت الرجوع إلى قول المفتي وشهادة الشهود، وإن لم يكن ذلك أمراً مقطوعاً عليه، وإنما يحكم به من جهة غلبة الظن والاستدلال، كذلك الرجوع إلى قول المخبر، فإنه في معنى ذلك، بل الرجوع إلى المخبر أولى، فإن المفتي يخبر عن اجتهاد، والمخبر يخبر عن مشاهدة وسماع، فحاله أقوى من حال المفتي، فكان بالقبول أولى.

ولأنه لو لم يقبل إلا المتواتر أفضى إلى بطلان العمارات وخراب الدنيا، لتشاغلهم بالنقل عنها، وإذا قلنا: يتشاغلون بالعمارات، حفظوا الدنيا، وضيعوا الشريعة، فلا بد من ترك أحدهما، فحفظنا المعاش بتشاغلهم بها، وحفظنا السنة بقبول خبر الواحد، فكان حفظهما معاً أولى من تعطيل أحدهما.

وهذا كالشهادات لا بد للناس منها، فلو لم يقبل في الشهادات غير المتواتر أفضي إلى تشاغل الناس بحفظ ذلك وخراب الدنيا، وإذا قبلنا شهادة


(١) هذا الأثر عن علي، رضي الله عنه، سبق تخريجه ص (٨٦٨) بلفظ: (ما حدثني أحد بحديث، إلا استحلفته، إلا أبا بكر، وصدق أبو بكر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>