وأيضا: فإن الخبر مما يؤدي إلى العلم، إذا أكثر من يخبر به، والقياس لا يؤدي إلى العلم، وإن كثرت وجوه الشبه فيه، فكان ما يؤدي إلى العلم أقوى مما لا يؤدي إلى ذلك.
واحتج المخالف:
بأن القياس يتعلق [١٣٣/ب] بفعله، وهو استدلاله على صحة العلة في الأصل، وصدق الراوي في خبره مغيب عنه، غير متعلق بفعله وثقته، فما هو متعلق بفعله أكثر تنبيهاً مما هو متعلق بغيره، فوجب أن يكون أولى.
والجواب: أن هذا يبطل بعلم الحاكم، فإنه أكثر تنبيهاً من قول الشهود. وعندنا وعند مالك: لا يحكم بعلمه، ويحكم بشهادة الشهود، على أنهما سواء؛ لأنه يستدل على صدق الراوي بما يعلمه من أفعاله الدالة على صدقه، كما أن القياس يستدل [به] على أن صاحب الشريعة حكم في الأصل لمعنى من المعاني، وقصده يكون ثبوت قصد صاحب الشريعة بالنظر في الأمارات الدالة عليه، كثبوت صدق الراوي، ولا فرق بينهما.
واحتج: بأن خبر الواحد يجوز فيه مما يمنع العمل به أربعة أوجه، وهي: كونه منسوخاً، وكونه كذباً، وكون المخبر به فاسقاً، وكونه خطأً، والقياس لا يجوز فيه ما يمنع العمل به، إلا وجه واحد، وهو كونه خطأً.
والجواب: أن ما يوجب فساد الشيء، لا يعتبر فيه بالقلة والكثرة، ألا ترى أن كون الراوي مغفلاً، لما كان مانعاً من قبول خبره، لم يختلف فيه وجود الفسق مع الغفلة وعدم الفسق معها، وإن كان أحد الوجهين أقوى في باب الفسق من الآخر، فإذا كان [كذلك] لم يجز أن يرجح القياس على