قيل: إن جاز أن يقال: إن إجماعهم على تسويغ الخلاف مشروط بعدم دليل قاطع، جاز أن يقال: إن إجماعهم على قول واحد إذا انعقد عن قياس أنه مشروط بعدم دليل قاطع، فإذا طرأ دليل قاطع وجب اتباعه.
وجواب آخر، وهو: أن الإجماع لا يجوز أن يقع مشروطاً؛ لأن وجود الشرط فيه يفضي إلى أن تعرى الحادثة عن حكم الله تعالى. ولا يجوز أن يعرى العصر عن ذلك؛ لأن الله تعالى لم يُخْلِ وقتاً من حق، وكونه مشروطاً يفضي إلى هذا؛ لأن كل قائل من القولين يقول: الحق في قول، ما لم يجمع على خلافه، فلا يقطع على حق فيه.
ويفارق هذا التيمم؛ لأن الشرط في الحكم المجمع عليه، لا في أصل الإجماع، فلا يفضي إلى ما ذكرنا.
فإن قيل: هم وإن أجمعوا على تسويغ الخلاف والقول بكل واحد من القولين، فالتابعون أيضاً قد أجمعوا على القول بأحدهما دون الآخر.
قيل: لا نسلم أن هذا إجماع؛ لأن من شرط صحة الإجماع: أن لا يرفع إجماعاً قبله.
فإن قيل: فإذا كانت الصحابة على قولين، فكل واحد من أهل القولين يجوّز على نفسه الخطأ فيما ذهب إليه.
قيل: هذا هو العلة التى بها جوزوا القول بكل واحد من القولين، وهو تحقيق إِجماعهم على تجويز القول بكل واحد من القولين.
وطريقة أخرى، وهو: أن من قال قولاً ومات، فحكم قوله باقٍ، بدليل أن الصحابة إذا أجمعت على شىء، ثم انقرضوا، لم يصح أن يجمع التابعون على خلافه.
وكذلك إذا كانت الصحابة على قولين، فإذا انقرض أهل أحد القولين