كلهم، وبقي أهل القول الآخر، لم يزل قول المنقرضين بانقراضهم. ويكون الخلاف باقياً، وإذا ثبت أن حكم قول الميت باقٍ ما زاد، فمن أسقط حكمه، كان كمن أسقط قولهم مع بقائهم، وهذا لا يجوز.
ولأن أعلى مراتب التابعين أن يلحقوا بعصر الصحابة، ويكونوا من أهل الاجتهاد قبل انقراضهم. وأدنى مراتبهم أن ينقرض الصحابة قبل أَن يلحقوا بهم، فكان قولهم إذا خالفوهم دون قولهم إذا عاصروهم وخالفوهم، ثم ثبت أن التابعين لو لحقوا بالصحابة والصحابة على قولين، وأجمعوا على أحد القولين لم يسقط القول الآخر بما أجمعوا عليه، وقد أجمع معهم أهل القول الثاني، فبأن لا يسقط القول الآخر بعد انقراض الصحابة أولى.
فإن قيل: إنما لم يسقط القول الثاني إذا أجمعوا مع أهل [القول] الآخر؛ لأنهم حينئد بعض أهل العصر، وليس كذلك إذا أجمعوا [١٦٦/أ] عليه بعد انقراض الصحابة؛ لأنهم حينئذ كل أهل الاجتهاد في العصر.
قيل: في زمان الصحابة بعض أهل العصر، وبعد انقراض العصر بعض الأمة؛ لأن حكم القول الذي خالفوه ثابت، لا يزول ولا يرتفع بما بينَّا. ولأن من قال: إجماع التابعين يزيل الخلاف السابق ويصير قولهم إجماعاً، يفضى قوله إلى أن الإجماع ينعقد بموت واحد.
وبيانه: إذا كانت الصحابة على قولين، فانقرضوا، وبقي واحد من الصحابة، وهو من أهل أحد القولين، ثم أجمع التابعون على قول من لم يبق منهم أحد، لم يكن إجماعاً؛ لبقاء واحد من أهل القول الذي خالفوه، وإذا هلك هذا الواحد صار ما أجمع عليه التابعون إجماعاً بانقراض هذا الواحد وهلاكه، وموت الإنسان ليس بقول ولا حجة، فكيف يكون الإجماع منعقداً بموت واحد.