وبيَّنا أن هذا يبطل بالمتولد من بين ما يباح أكله وما لا يباح أكلُه، وما يباح نكاحُه وما لا يباح، فإنه يُغلَّب الحظر فيه، ولا يقال: إن تحريم ما يباح بمثابة إباحة ما هو حرام.
فإن قيل: لا يصح حظر ما يتوهم وجوبه وحظره، وإنما يصح ذلك فيما عرف حكمه، وإن جاز الحظر لزم أن يقال: يجب على كل أحد أن يصلي طول دهره ويصوم طول أيامه قبل الشرع، لجوار أن يرد الشرع بوجوب ذلك.
قيل: ولا يجوز إباحة ما يتوهم إباحته، وإنما يصح ذلك فيما عرف حكمه [فكان] استعمال الحظر أولى، لما بيَّنا.
ويفارق هذا ما ذكروه من الصيام، والصلاة؛ لأنه لا يعقل معناها قبل ورود الشرع، واجتناب هذه الأشياء يعقل (١) معناه، وهو تركه.
وقد اعتمد من نصر هذا القول على طريقة أخرى، فقال: العقل لا ينفك من شرع؛ لأنه لو انفرد عن شرع لم يجز الإقدام على المنافع ولا الإحجام عنها، لجواز كون كل واحد منهما مفسدة.
وإذا كان انفكاك العقل من سمع يؤدي إلى هذا الفساد لم يجز أن ينفك من سمع، وإذا لم ينفك من سمع فالسمع قد حظر الانتفاع والتصرف في ملك الغير بغير إذنه، ومن قال بالإباحة أباح التصرف في ملك الغير بغير إذن.
وهذه الطريقة إذا صحت [١٨٧/أ] حصل الاحتجاج بالشرع دون العقل.
واحتج من قال بالإباحة:
بأن الله لما خلق هذه الأشياء لم تَخْلُ من ثلاثة أحوال:
إما أن يكون خلقَها لينتفع هو بها، أو لينتفع بها غيره، أو ليضر بها غيره.