والجواب: أن القياس إنما يصح إذا حصل هناك أصل منصوص عليه، كما أن الاستدلال على القدرة إنما يصح إذا وجد الفعل، فلما لم يصح أن يستدل على القدرة قبل وجود الفعل، كذا لا يصح القياس قبل وجود الأصل المنصوص عليه.
واحتج: بأنه لو كان القياس صحيحاً لم يخل المنصوص عليه إذا نسخ وقد قيس عليه فروع أن يبقى الحكم في فروعه، أو ينسخ الحكم فيها بنسخ حكم الأصل.
فإن قلتم: إن الحكم في فروعه يصير منسوخاً كان ذلك مبطلاً لمذهبكم في أن نسخ ما تناوله النص لا يوجب نسخ جميعه.
وإن قلتم: إن الحكم في فروعه يكون باقياً كان فيه كبقية الحكم في الفروع مع نسخ حكم الأصل [١٩٦/ب] ، وهذا باطل.
والجواب: أنه لا يمتنع عندنا أن يبقى الحكم في الفروع مع نسخ حكم الأصل، كما أن نسخ الحكم في الأصل لا يوجب ارتفاع ما حكم في الحوادث بموجب النص قبل ورود النسخ.
واحتج: بأنه لو جاز إثبات حكم بالقياس لجاز إثبات الأصول به، وهذا باطل. والجواب: أنه إن أريد به إثبات الأصول بعد ثبوت أصل واحد، فهذا غير ممتنع عندنا، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نص على بعض الأشياء المنصوص على تحريم التفاضل فيها، وأمرنا بقياس غيره عليه كنا نقيس أغياره من الأشياء الستة ومن غيرها، فإن أراد به إثبات الأصول ابتداء من غير أن يكون هناك أصل ثابت فإن ذلك لا يتأتى؛ لأن القياس لا بدَّ له من أصل يُردُّ إليه، [و] إذا لم يكن هناك أصل لم يصح معنى القياس.
واحتج: بأنه لو كان القياس صحيحاً لوجب أن تكون علته موجبة للحكم