ولأنه لا وجه يدعي الخصم أنه علة إلا وهو يجوز أن يرد الخبر بأن العلة سواه، فبطل أن يكون للعقل مجال في ذلك.
ولا يجوز أن يكون العلم بالعلة قياساً على النص لوجهين:
أحدهما: أن ذلك القياس لابدَّ له من علة، ولا بدَّ في تعريف تلك العلة من قياس يأتي، والكلام في ذلك كالكلام في الذي قبله، وهذا يفضى إلى ما لا نهاية له، فلم يبق إلا النص.
وإذا كانت العلل منصوصاً عليها، جاز حمل غير المنصوص عليه على ما تناوله النص عند كثير من أهل الظاهر.
ولا يجوز أن يكون ما تذكرونه من وجود الحكم في الأصل المعلَّل عند وجود الصفة وعدمها عند عدمه، دلالة على كونها علة يجب القياس عليها لوجود الحكم في كثير من المواضع، موجود عند وجود شيء ومعدوم عند عدمه، مع اعترافنا بأنه ليس بعلة.
ألا ترى أنا نجد العصير حلالاً قبل حدوث الشدة فيه لا يَكْفُر مستحله، فإذا حدثت الشدة صار حراماً يَكْفُر مستحله، ثم إذا ارتفعت الشدة عنه صار حلالاً، ولم يَكْفُر مستحله، ولم يجب من أجل ذلك أن تكون الشدة علة للتكفير؛ لأنَّا لا نكفر مستحل كل شديد.
والجواب: أن القياس هو: حمل الفرع على الأصل بعلة وشَبَه، قد دل الدليل على صحتها، وذلك يحصل من خمسة أوجه:
أحدها: لفظ صاحب الشريعة بنصه، أو تنبيهه (١) ، أو إجماع الأمة، أو تأثيرها، وهو يوجد الحكم بوجود المعنى، ويعدم بعدمه أو شهادة
(١) في الأصل: (أو تنبيه) ودلالة السياق تدل على ما أثبتناه.