بأن إثبات الشىء لا يصح مع وجود ما ينافيه، فلما كان القياس مانعاً مما ورد به الأثر لم يجز لنا استعمال القياس فيه؛ لأنه لو جاز ذلك لم يكن فرق بينه وبين سائر الأصول التي يمنع قياسها منه، فكان يخرج حينئذ من كونه مخصوصاً من جملة القياس.
والجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنا لا نسلَّم أن هاهنا ما ينافيه؛ لأن المنافاة تكون بدليل خاص، وما يذكرونه في هذه المسائل ليس بدليل خاص لما نذكره من التأويل.
والثاني: أن المنافاة إنما تحصل بقياسه على غيره في إسقاط حكم النص، فأما قياس غيره فلا ينافيه، لأنه لا يسقط حكم النص، وعندهم لا يصح القياس عليه.
واحتج: بأن قياس الأصول أوْلى من قياس ما ورد به الأثر، وذلك لأن قياس ما ورد به الأثر يختلف فيه، وقياس الأصول متفق عليه، والمتفق عليه أوْلى من المختلف فيه (١) . ولهذا كان ما ثبت بخبر التواتر أوْلى مما ثبت بخبر الواحد. وما شهد له أصلان أوْلى مما شهد له أصل واحد، فلما كان قياس الأصول يشهد له جميع الأصول، وكان قياس ما ورد به الأثر لا يشهد له إلا أصل واحد، وهو الأثر، كان قياس الأصول أوْلى بالاعتبار من قياس ما ورد به الأثر.
والجواب: أن هذه المزيَّة موجودة في مقابلة خبر الواحد، ومع هذا فإنه مقدم على قياس الأصول.
وكذلك القياس الشرعي مقدم على مقتضى القياس العقلي، وإن كان للعقل مزيَّة.
ويفارق هذا خبر الواحد مع التواتر؛ لأن أحدهما مقطوع عليه.
(١) انظر: أصول الجصاص (١٢٣) فإن هذا الدليل منقول منه بتصرف.