وأيضاً: ما روى أبو هريرة وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وغير [هم] عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[٢٤٠/أ] أنه قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر) .
وهذا يدل على أن المجتهدين بين الإِصابة والخطأ.
فإن قيل: هذا خبر واحد.
قيل: وإن كان خبر واحد فقد تلقته الأمة بالقبول، وأجمعوا على صحته وتأويله، فصار بمنزلة المتواتر، فوجب المصير إليه.
فإن قيل: معناه: إذا أصاب الأشبَه المطلوب، فله أجران، وإن أخطأ الأشبَه كان له أجر واحد.
قيل: عندك لم يكلف طلب الأشبَه ولا إصابته، وإنما فرضُه ما يغلب على ظنه.
وإذا كان الأشبَه وغيره واحداً لم يختلفا في الثواب والأجر.
فإن قيل: أراد بالإِصابة: إصابة النص أو الإِجماع، وبالخطأ: خطأ النص أو الإِجماع.
قيل: هذا عام بما فيه نص أو إجماع وغيره، فوجب أن يحمل على عمومه.
على أن استحقاق الأجر لا يختص بإصابة النص والإِجماع، بل ما فيه النص والإِجماع، ومالا نص فيه ولا إجماع في الأجر والثواب سواء.
وعلى أنه لو وجب حمل الخبر على هذا لوجب تفسيق من خالفه وتأثيمه.
ولمَّا حكم له النبي بأجر، لم يصح حملُه على ما قالوه.
وقد قيل في جوابه: إن المجتهد إذا استقصى في طلب النص فلم يجد، فهو مصيب عندكم؛ لأنه لا يلزمه أن يحكم بما لم يبلغه. ولا يُسمى من لم يبلغه النص مخطئاً، كما لا يُسمى من لم تبلغه شريعة النبي أنه مخطىء.