فإن قيل: كيف يستحق الأجر وقد أخطأ في الحكم وفي الاجتهاد؟
قيل: هو مصيب فيما فعله من الاجتهاد مخطيء في تركه للزيادة على ما فعله، فهو مأجور على ما فعله، مغفور له ترك ما ترك من الاجتهاد.
فإن قيل: فقد أغْرِيَ إذاً بالترك؛ لأنه قد علم أنه لا مضرة عليه في الفعل.
قيل: ليس هذا بإغراء؛ ألا ترى أنه من بشره النبي بالجنة لا يحس ضرر النار فيما يفعله؛ لأنه علم أن إما أن يسقط عنه العقاب بالتوبة، وإما بالمغفرة، ومع ذلك ليس مغرى.
وعلى أن المجتهد لا يكون مغرى؛ لأنه لا يعرف المرتبة التي إذا انتهى إليها من النظر غفر له تركه النظر فيما بعد. إنما ذلك شيء يعرفه الله تعالى وحده، فجرى ذلك مجرى صغائرنا التي لا يعرفها إلا الله وحده.
وأيضاً: ما رُوِيَ أن -النبي عليه السلام- كان إذا بعث جيشاً قال لهم:(إذا حاصرتم [٢٤٠/ب] أهل حصنِ أو مدينة فأرادوا منكم أن تنزلوهم على حكم الله تعالى فلا تنزلوهم على حكم الله تعالى، فإنكم لا تدرون ما حكم الله فيهم)(١) .
وهذا ينفي أن يكون حكم الله تعالى في الحادثة ما يُؤدي إليه اجتهاد المجتهد.
فإن قيل: يجوز أن يكون قال لهم: لا تنزلوهم على حكم الله؛ لأنكم لا تأمنون ورود النسخ على الحكم الثابت.
[قيل: هذا] لا يمنع وجوب العمل به قبل العلم بالنسخ.
(١) هذا جزء من حديث طويل يرويه بُرَيْدَة - رضي الله عنه - مرفوعاً، وقد سبق تخريجه عندما أورده المؤلف بلفظ: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميراً على سرية أمره بتقوى الله..) الحديث.