فإن إحدى العلتين أوْلى أن يتعلق الحكم بها وأنها موجودة في الأصل والفرع، وأنه يلزمنا العمل بها في الفرع.
والطريق إلى ذلك هو وجوه الترجيح، وهي محصورة، فإذا وجدها أو أكثرها أو أقواها تختص إحدى العلتين، قطعنا على أنها أولى بأن تكون علة الحكم في الأصل من غيرها.
كما أنا إذا رأينا أمارات الغَيْم الرطب، في بعض الغيوم، نحو كونه في الشتاء، وكونه كثيفاً قطعنا على أنه أولى أن يكون مطراً.
وأمَّا التأثيم والتفسيق: فلا يجوز عليه ما ذكرنا، وهو أنا لا نقطع على خطئه، ولأن الشرع ورد بالعفو عن ذلك [٢٤٤/أ] ، كما ورد بالعفو عن الخاطىء والناسي والمكره.
يدل عليه قول الله تعالى:(وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ في الْحَرْثِ) إلى قوله: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) ولم يؤثم داود.
وكذلك قال النبي -عليه السلام-: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر) فلم يؤثمه، بل جعل له الأجر مع الخطأ.
وأمّا منعه من العمل بما أدى اجتهاده إليه فلا يمنع منه؛ لأن فرضه أن يحكم باجتهاده وبما يصح عنده، فلا يصح منعه منه.
ولكن نقول إذا تزوج بغير ولي:"إنه نكاح فاسد". وإذا اشترى النبيذ "إنه شراء فاسد". وإذا شرب النبيذ:"إنه شَرِب حراماً"، وما أشبه ذلك من طريق غلبة الظن والظاهر.
وأما إذا حكم باجتهاده فإننا لا ننقض حكمه لما بينَّا، وهو: أن الدليل غير مقطوع عليه، فلا يجوز نقضُه.