للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توجب صرفه عن الوجوب.

فإن قيل: الحظر لا يفيد الإباحة بلفظه ولا بمعناه؛ لأن لفظه يقتضي المنع والتحريم، ومعناه لا يوجب ذلك؛ لأنه لا يمتنع أن يكون الشيء محرمًا، ثم يجعل واجبًا، فينسخ التحريم بالإيجاب.

قيل: ليس نقول: إن لفظ الحظر أفاد الإباحة، وإنما حصلت الإباحة به وبما بعده من صيغة الأمر، كما إذا استأذنه عبده في فعل شيء، فقال له: افعل، حملناه على الإباحة بالأمرين جميعًا: الإذن والاستئذان.

واحتج بأن النهي إذا ورد بعد الأمر اقتضى الحظر، كما لو وَرَدَ ابتداءً كذلك الأمر إذا ورد بعد الحظر، وجب حمله على الوجوب كما لو ورد ابتداءً.

والجواب: أن لفظة النهي المطلقة إذا وردت بعد الأمر، يحتمل أن نقول فيها ما نقول في الأمر بعد الحظر، وأنها تقتضي التخيير دون التحريم، لا أنها تحتمل الندب والحظر، وتحتمل أن نفرق بينهما، ونقول في النهي بعد الأمر يقتضي الحظر، وفي الأمر بعد الحظر لا يقتضي؛ لأن النهي آكد، ولهذا قال مخالفونا: إن النهي يقتضي التكرار، والأمر المطلق لا يقتضي.

ولأن الأمر أحد الطرق إلى الإباحة، فلهذا جاز أن يرد، ويراد به الإباحة، وليس النهي طريقًا إلى الإباحة، فلم يَجُزْ أن يُرَادَ به الإباحة١.

واحتج: بأن الأمر إذا كان مقتضاه الإيجاب، فوروده بعد الحظر لا يؤثر في ذلك، ألا ترى أن وروده بعد الحظر، العقل لا يمنع وجوبه. يبين ذلك: أن فعل الصلاة والصوم من جهة العقل محظور، ثم ورد


١ في الأصل: "إباحة".

<<  <  ج: ص:  >  >>