للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقوبته؛ فصرح بالقول بدليل الخطاب، وهو أوثق من نقل اللغة عن أهلها، فوجب المصير إلى ذلك.

فإن قيل: أبو عبيد لم يحك ذلك بعينه عن العرب، ولا يجوز أن يجعل ظاهر كلامه أنه عن العرب؛ لكونه من أهل اللغة؛ لأنه ممن يتكلم في الأحكام ويختار المذاهب؛ فجاز أن يكون قاله من جهة الحكم، وطلب فائدة اللفظ.

وقد عارض ذلك ما ذكره الأخفش١ في قول القائل: "ما جاءني غير زيد"، أن ذلك لا يدل على مجيء زيد.

قيل: أن أبا عبيد ذكره هذا في كتب اللغة، ولم يذكره في كتب الأحكام، والظاهر: أنه لغة العرب.

وقولهم: ما ذكره عن الأخفش لا يعارض قول أبي عبيد؛ لأن الأخفش لم يكن من أهل اللغة؛ وإنما كان له معرفة بالنحو، وأبو عبيد إمام في اللغة، وله غريب المصنف٢ وغيره من الكتب في اللغة.


١ هو: سعيد بن مسعدة، أبو الحسن، الأخفش الأوسط، مولى بني مجاشع، سكن البصرة، ثم دخل بغداد، وأقام بها مدة، روى عن هشام بن عروة والنخعي وغيرهما. وعنه أبو حاتم السجستاني. كان الأخفش معتزليًا، له مصنفات كثيرة، منها: "معاني القرآن"، و "المقاييس في النحو" و "الأوسط في النحو". مات سنة ٢١٠هـ وقيل غير ذلك.
له ترجمة في: بغية الوعاة "١/٥٩٠"، و "شذرات الذهب": "٢/٣٦"، و "طبقات المفسرين" للداودي "١/١٨٥"، و "الفهرست" ص"٧٧"، المطبعة التجارية، و "مرآة الجنان": "٢/٦١".
٢ هذا الكتاب من أجود الكتب اللغوية، وأنفعها، وقد نسبه الخطيب البغدادي في "تاريخه": "١٢/٤٠٤". وإلى القاسم بن سلام، ونقل عن ابن درستويه النحوي قوله في هذا الكتاب: ".. وهو من أجل كتبه في اللغة، فإنه احتذى فيه كتاب النضر بن شميل المازني يسميه كتاب الصفات، وبدأ فيه بخلق الإنسان، ثم بخلق العرش، ثم بالإبل فذكر صنفًا بعد صنف، حتى أتى على جميع ذلك، وهو أكبر من كتاب أبي عبيد، وأجود".
كما نسبه إليه الداودي في "طبقات المفسرين": "٢/٣٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>