كتابه: أن السامع متى سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق تعليم الحكم؛ فالواجب اعتقاد عمومه. وإن سمعه من غيره؛ لزمه التثبت وطلب ما يقتضي تخصيصه، فإن فقده حمل اللفظ على مقتضاه في العموم.
وحكى أبو سفيان في مسائله: وجوب اعتقاد عمومه من غير توقف، على الإطلاق من غير تفصيل؛ فقال في أثناء الكلام في مسألة العموم: ما تقولون في عموم اللفظ إذا ورد ابتداء هل ترجعون عند سماعه إلى الأصول في طلب دلالة التخصيص، أو تحملوا به على الاستغراق؟ فقال: نحمله على عمومه، ولو كان خصوصًا؛ لم يخله الله من بيان عند وروده من غير توقف.
فالدلالة على أنه يجب العمل من غير توقف: أن صيغة العموم إذا ورد متجردًا عن قرينة ظاهرة؛ كانت حقيقة في الجنس كله، ووجب المصير إليه قبل البحث كما قلنا في أسماء الحقائق من الأعداد وغيرها، متى وردت وجب المصير إلى موجبها، ولا يجب التوقف على ما يدل على مجازها، كذلك ههنا.
فإن قيل: لا نسلم أنها متجردة عن القرينة؛ لأن التجرد ما ثبت، وهذا كما يقول: إذا شهد عند الحاكم شاهدان، لا يعرف حالهما، فإنه لا يحكم قبل السؤال عنهما، كذلك ههنا.
قيل: الأصل عدم القرينة؛ فوجب الاعتماد على ذلك الأصل؛ لأن هذا هو الظاهر، وجرى هذا مجرى شاهدين شهدا بحق؛ فإن الحاكم يحكم بشهادتهما، وإن جاز أن يكون قد حصل هناك إبراء من ذلك الحق، أو قضاء للحق وهما لا يعلمان به؛ لأن الظاهر عدم ذلك.
وأما عدالة الشهود: فإن الظاهر يقتضي عدالتهما؛ لأن الأصل العدالة؛ ولكن لم يقتصر في الشهادة على الظاهر، ألا ترى أن الظاهر صدق الشاهد الواحد، ولكن اعتبر فيه العدد، كذلك الظاهر العدالة، لكن