يجري مجرى ما لو علق الآية بمدة، نحو قوله:"صلوا عشرين سنة"، فإن ما بعد المدة يسقط الأمر على غير وجه البَدَاء، كذلك إذا أمر به مطلقاً إلى مدة معلومة عنده، وكذلك أفعال الله تعالى تجري هذا المجرى بدليل أنه يغني الواحد في وقت، ويفقره في وقت آخر، ويسود الشيء في وقت، ويبيضه في وقت، [١١١/أ] ويحرك الشيء في وقت، ويسكنه في وقت، ويحييه في وقت، ويميته في وقت.
وكذلك آدم كان يزوج بناته من بنيه، وكان مباحاً، ثم حظره الله تعالى عندهم.
وكذلك جميع ما شرعه موسى لم يكن لمن قبله من الأنبياء.
وكذلك اختتان إبراهيم عليه السلام بعد الكبر.
واحتج: بأنه يؤدي إلى التناقض من قبَل أنه أمر بعبادة، وكان عملها حسنا، فإذا نهي عنها بعد مدة يصير فعلها مفسدة، بعد أن كان مصلحة.
والجواب: أنه لا يؤدي إلى ذلك، لأنا لا نجعل العبادة الواجبة مصلحة ومفسدة، أو حسنة وقبيحة، وإنما نجعل العبادة مصلحة في وقت، ومفسدة في وقت آخر. ثم إن هذا يبطل بانتقالنا من حال إلى حال.
واحتج: بأن الأمر إذا ورد مطلقاً اقتضى فعل المأمور به أبداً، ووجب على المأمور أن يعتقد وجوبه عليه أبداً، ويكون ذلك الاعتقاد حسناً، فلو جاز ورود النهي عن مثل ذلك في المستقبل، لكان ذلك دلالة على البداء؛ لأنه قد نهي عما وقع الأمر به على الوجه الذي أمر به، ولصار الاعتقاد الذي كان محكوماً له بالحسن قبيحاً.
والجواب: عن قوله: إن الأمر يقتضي فعل المأمور به أبداً، خطأ؛ لأن التكليف قد يسقط بمعانٍ (١) تطرأ على المكلف، مثل الموت والجنون