الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وبعد: فإن اللَّه ﷿ قد أنعم على عبادة بنعم عظيمة، ومن أعظم ما أنعم اللَّه به على البشرية إرسال محمد ﷺ لهداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه كتابه العظيم المشتمل على أقوم السبل وأفضل المناهج، كما أن اللَّه ﷿ أعطاه وحيًا آخر ألا وهو السنة المطهرة المتمثلة في أقوال النبي ﷺ وأفعاله وتقريراته، لأننا مأمورون بالاقتداء به، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ ومن هنا كانت الهداية مشروطة باتباع هدي هذا النبي الكريم، كما قال سبحانه: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
وكان ذلك سببًا لاجتهاد الأمة الإِسلامية في حفظ سنته وضبطها لئلا يضيع منها شيء أو يدخل فيها ما ليس منها، فاشتغل العلماء والرواة بحفظها وروايتها وتقربوا إلى اللَّه ﷿ بذلك، ثم توالت الجهود في فهم المصادر الشرعية والإفتاء بها من قبل العلماء المجتهدين، ولما كثرت الأسانيد وتعددت طبقاتها احتاجت الأمة إلى تدوين ذلك التراث، فاجتهد طائفة من علماء الأمة المتقنين في ضبط هذا التراث العظيم وكتابة المؤلفات التي تجمع ذلك التراث وترويه بأسانيده.
وكان من أعظم الجهود المبذولة في جمع تراث هذه الأمة ما فعله الإِمام أبو بكر عبد اللَّه بن محمَّد بن أبي شيبة من خلال كتابه العظيم [المصنف]، وهذا الكتاب من