للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البارع المعجز، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق الكشف والبيان لما تدل عليه ألفاظ القرآن (وهو ما نسميه بعلم التفسير) خصوصا في هذه العصور الأخيرة التي فسدت فيها ملكة البيان العربي، وضاعت فيها خصائص العروبة حتى من سلائل العرب أنفسهم.

فالتفسير هو مفتاح هذه الكنوز والذخائر التي احتواها هذا الكتاب المجيد النازل لإصلاح البشر وإنقاذ الناس، وإسعادهم في الدنيا والآخرة.

وبدون التفسير لا يمكن الوصول إلى هذه الكنوز والذخائر، مهما بالغ الناس في ترديد ألفاظ القرآن وتوافروا على قراءته كل يوم.

وهنا تلمح السر في تأخر مسلمة هذا الزمن على رغم وفرة المصاحف في أيديهم، ووجود ملايين الحفّاظ بين ظهرانيهم، وعلى رغم كثرة عددهم، واتساع بلادهم، في حين أن سلفنا الصالح نجحوا بهذا القرآن نجاحا مدهشا، كان ومازال موضع إعجاب المؤرخين، مع أن أسلافنا أولئك كانوا في قلة من العدد، وضيق من الأرض، وخشونة من العيش، ومع أن نسخ القرآن ومصاحفه لم تكن ميسورة لهم، ومع أن حفاظه لم يكونوا بهذه الكثرة الغامرة.

إن السر في ذلك هو أنهم توفّروا على دراسة القرآن واستخراج كنوز هداياته، يستعينون على هذه الثقافة العليا بمواهبهم الفطرية، وملكاتهم السليمة العربية من ناحية، وبما يشرحه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويبينه لهم بأقواله وأعماله وأخلاقه وسائر أحواله كما قال- سبحانه-:

وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة النحل آية: ٤٤].

وعلى ذلك كان همهم الأول هو القرآن الكريم يحفظونه ويفهمونه، ثم يعملون بتعاليمه بدقة، ويهتدون بهديه في يقظة.

بهذا وحده صفت أرواحهم وطهرت نفوسهم، وعظمت آثارهم؛ لأن الروح الإنساني هو أقوى شيء في هذا الوجود، فمتى صفا وتهذب، وحسن توجيهه وتأدب أتى بالعجب العجاب.

وكذلك أتت الأمة العربية بالعجب العجاب، في الهداية والإرشاد، وإنقاذ العالم وإصلاح البشر، وكتب الله لهم النصر والتأييد والدولة والظفر، حتى على أقوى الدول المعادية لدعوة الحق والإصلاح في ذلك العهد؛ دولة الفرس في الشرق، ودولة الرومان في الغرب، تلك محوها من لوح الوجود بهدم طغيانها وإسلام شعبها، وهذه سلبوها ما كان في حوزتها من ممالك الشرق وشعوبه الكثيرة، ثم دانت لهم الدنيا فاستولوا على بعض بلاد أوربا وأقاموا فيها دولة عربية شامخة البنيان كانت بهجة الدنيا وزينة الحياة، ومنها شع النور على الشعوب

<<  <   >  >>