للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوربية، وكانت النواة الناجحة في نهضتهم الحديثة الحاضرة (تلك هى فردوس الأندلس المفقود)!! أما غالب مسلمة اليوم، فقد اكتفوا من القرآن بألفاظ يرددونها، وأنغام يلحنونها، في المآتم والمقابر والدور، وبمصاحف يحملونها أو يودعونها بركة في البيوت، ونسوا أن بركة القرآن العظمي إنما هى في تدبره وتفهمه، وفي الجلوس إليه، والاستفادة من هديه وآدابه، ثم في الوقوف عند أوامره ومراضيه، والبعد عن مساخطه ونواهيه، والله- تعالى- يقول: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [سورة ص: ٢٩]، ويقول جل ذكره: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [سورة محمد: ٢٤]، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [سورة القمر آية: ١٧].

فما أشبه المسلمين اليوم بالعطشان يموت من الظمأ والماء بين يديه، وبالمريض يفتك به المرض ودواؤه أمام عينيه، فلا حول ولا قوة إلا بالله!! ألا إن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، وهو أن يعودوا إلى كتاب الله يستلهمونه الرشد، ويستمنحونه الهدى، ويحكمونه في نفوسهم وفي كل ما يتصل بهم، كما كان آباؤنا الأولون يتلونه حق تلاوته بتدبر وتفكر، حتى ظهرت آثاره الباهرة عاجلة فيهم، فرفع نفوسهم وانتشلها من حضيض الوثنية، وأعلى هممهم وهذب أخلاقهم، وأرشدهم إلى الانتفاع بقوى الكون ومنافعه، وكان من وراء ذلك أن مهروا في العلوم والفنون والصناعات، كما مهروا في الأخلاق والآداب والإصلاح والإرشاد، ووصلوا إلى غاية بزّوا فيها كل أمم الدنيا، حتى قال بعض فلاسفة الغرب في كتابه (تطور الأمم) ما نصه: «إن ملكة الفنون لا تستحكم في أمة من الأمم إلا في ثلاثة أجيال: جيل التقليد، وجيل الخضرمة، وجيل الاستقلال، وشذّ العرب وحدهم فاستحكمت فيهم ملكة الفنون في جيل واحد». اه.

قال السيوطي في بيان الحاجة إلى التفسير ما ملخصه: «القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، فكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه».

أما دقائق باطنه فلا تظهر لهم إلا بعد البحث والنظر وسؤالهم النبي صلّى الله عليه وسلم مثل قولهم:

«وأيّنا لم يظلم نفسه .. ؟!» حينما نزل قوله- تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [سورة الأنعام: ٨٢]، ففسره النبي صلّى الله عليه وسلم بالشرك، واستدل بقوله- سبحانه-: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان آية: ١٣].

وكذلك حين قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب» سألته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن قوله تعالى: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً [سورة الانشقاق آية: ٨، ٩]، فقال صلّى الله عليه وسلم: «ذلك العرض»، وكقصة عدي بن حاتم في

<<  <   >  >>