الذين نسبوا إليه ما هو منه بريء، وكالمتزلفين الذين حطبوا في حبل العباسيين، فنسبوا إلى ابن عباس ما لم تصح نسبته إليه تملقا لهم واستدرارا لدنياهم.
ثالثها: اختلاط الصحيح بغير الصحيح، ونقل كثير من الأقوال المعزوّة إلى الصحابة أو التابعين من غير إسناد ولا تحرّ، مما أدى إلى التباس الحق بالباطل، زد على ذلك أن من يرى رأيا صار يعتمده دون أن يذكر له سندا، ثم يجيء من بعده فينقله على اعتبار أن له أصلا، ولا يكلف نفسه البحث عن أصل الرواية، ولا من يرجع إليه هذا القول.
رابعها: أن تلك الروايات مليئة بالإسرائيليات، ومنها كثير من الخرافات التي يقوم الدليل على بطلانها، ومنها ما يتعلق بأمور العقائد التي لا يجوز الأخذ فيها بالظن، ولا برواية الآحاد، بل لا بد من دليل قاطع فيها، كالروايات التي تتحدث عن أشراط الساعة، وأهوال القيامة وأحوال الآخرة حين تذكر على أنها اعتقاديات في الإسلام.
خامسها: أن ما نقل نقلا صحيحا عن الكتب السابقة التي عند أهل الكتاب كالتوراة والإنجيل، أمرنا الرسول صلّى الله عليه وسلم أن نتوقف فيه، فلا نصدقهم لاحتمال أنه مما حرفوه في تلك الكتب، ولا نكذبهم لاحتمال أنه مما حفظوه منها فقد قال تعالى فيهم إنهم:
أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ [سورة آل عمران آية: ٢٣].
وكلمة الإنصاف في هذا الموضوع: أن التفسير بالمأثور نوعان:
أحدهما: ما توافرت الأدلة على صحته وقبوله، وهذا لا يليق بأحد رده، ولا يجوز إهماله وإغفاله، ولا يجمل أن نعتبره من الصوارف عن هدى القرآن، بل هو على العكس عامل من أقوى العوامل على الاهتداء بالقرآن.
ثانيهما: ما لم يصح لسبب من الأسباب الآنفة أو غيرها، وهذا يجب رده ولا يجوز قبوله ولا الاشتغال به، اللهم إلا لتمحيصه والتنبيه إلى ضلاله وخطئه حتى لا يغتر به أحد.
ولا يزال كثير من أيقاظ المفسرين كابن كثير يتحرون الصحة فيما ينقلون، ويزيّفون ما هو باطل أو ضعيف ولا يحابون ولا يجبنون.
ولعل الذين أطلقوا القول في رد المأثور إنما أرادوا المبالغة- كما علمت في توجيه كلمة الإمام أحمد بن حنبل- وعذرهم أن الصحيح منه قليل نادر، نزر يسير، حتى لقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث.
أي مع كثرة ما روي عنه.
وقد أشار ابن خلدون إلى أنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم