البداوة والأمية، وإذا تشوفوا إلى معرفة شيء مما تتشوف إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم؛ ويستفيدون منهم إلى أن قال: وهؤلاء مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم وتلقّيت بالقبول، لما كان لهم من المكانة السامية، ولكن الراسخين في العلم قد تحروا الصحة، وزيفوا ما لم تتوافر أدلة صحته. اه. بتصرف.
تنبيه: إياك أن تفهم من عبارة ابن خلدون أو ابن تيمية أو غيرهما ما يجعلك تخوض مع الخائضين في هؤلاء الأعلام الثلاثة: عبد الله بن سلام، ووهب بن منبه، وكعب الأحبار، فقد ضل بعض الأدباء والمؤرخين من كبار الكتاب في هذا العصر، حين زعموا ذلك، حتى لقد سلكوا عبد الله بن سلام الصحابي الجليل في سلك واحد مع عبد الله ابن سبأ اليهودي الخبيث، الذي تظاهر بالإسلام ثم كاد له شر الكيد، فتشيّع لعليّ، وزعم أن الله حل فيه، وطعن على عثمان، وأظهر الرفض عند حكم الحكمين بصفين، ودعا الناس إلى ضلاله الأثيم، حتى نفي مرارا، والحقيقة أن ثلاثتنا هؤلاء عدول ثقات.
أما ابن سلام: فحسبك أنه صحابي من خيرة الصحابة، ومن المبشرين بالجنة، يروي الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة» وفيه أنزلت آية: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [سورة الأحقاف آية: ١٠]، وآية: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [سورة الرعد آية: ٤٣]، على ما جاء في بعض الروايات.
وأما وهب بن منبه: فقد كان تابعا ثقة واسع العلم، روى عن أبي هريرة كثيرا وله حديث في الصحيحين عن أخيه همام: وقد بلغ من تنسكه وصلاحه أنه لبث عشرين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء رضي الله عنه.
وأما كعب: فقد كان تابعا جليلا، أسلم في خلافة أبي بكر، وناهيك أن الصحابة أخذوا عنه كما أخذ هو عن الصحابة، وروى عنه جماعة من التابعين مرسلا، وله شيء في صحيح البخاري وغيره.
ولكن يجب أن نفرق في هذا المقام بين ما يصح أن يقال فيهم، وما يصح أن ينقل عنهم، فأما ما يصح أن يقال فيهم؛ فهو الثقة والتقدير على نحو ما ألمحنا، وأما الذي ينقل عنهم؛ فمنه الصحيح وغير الصحيح، لكن عدم صحة ما لم يصح لا يعلل باتهامهم وجرحهم، فقد علمت من هم؟! إنما يعلل بأحد أمرين:
أولهما: رجال السند الذين ينقلون عنهم، فقد يكون بينهم متّهم في عدالته أو