للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قال: يعلمون تأويله ويقولون آمنا به، وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يعلمون تأويله، لو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه، ولا حلاله من حرامه، ولا محكمه من متشابهه- واختار هذا القول النووي فقال: في شرح مسلم:

إنه الأصح؛ لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته.

وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر.

وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم- خصوصا أهل السنة- فذهبوا إلى الثاني، وهو أصح الروايات عن ابن عباس، قال ابن السمعاني: لم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة، واختاره العتبي. قال: وقد كان يعتقد مذهب أهل السنة لكنه سها في هذه المسألة قال: ولا غرو فإن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة.

قلت: ويدل لصحة مذهب الأكثرين ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره والحاكم في مستدركه عن ابن عباس، أنه كان يقرأ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ويقول:

وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ فهذا يدل على أن الواو للاستئناف؛ لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فأقل درجتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه، ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم مبتغي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة، وعلى مدح الذين فوضوا العلم إلى الله وسلموا إليه، كما مدح الله المؤمنين بالغيب، وحكى الفراء أن في قراءة أبي بن كعب- أيضا- «ويقول الراسخون». وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش، قال في قراءة ابن مسعود: «وإن تأويله إلا عند الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به».

وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ إلى قوله: أُولُوا الْأَلْبابِ قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

«فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذرهم».

وأخرج الحاكم عن ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زجر وأمر، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا: أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال

<<  <   >  >>