وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب، ثم أخرجه من وجه آخر عن
ابن عباس موقوفا بنحوه.
وأخرج الدارمي في مسنده عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة «فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أعدّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن صبيغ، فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمى رأسه» وفي رواية عنده «فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دبرة، ثم تركه حتى برأ، ثم عاد ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود فقال: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري: لا يجالسه أحد من المسلمين».
وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال: إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله، فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا الله تعالى وأن الخوض فيه مذموم، وسيأتي قريبا زيادة على ذلك.
قال الطيبي: المراد بالمحكم: ما اتضح معناه، والمتشابه بخلافه، لأن اللفظ الذي يقبل معنى إما أن يحتمل غيره أو لا، والثاني النص، والأول إما أن تكون دلالته على ذلك الغير أرجح أو لا والأول هو الظاهر، والثاني إما أن يكون مساويه أو لا، والأول هو المجمل والثاني المؤول، فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم، والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه. ويؤيد هذا التقسيم أنه تعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه قالوا: فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله، ويعضد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم؛ لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ وأراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء، فقال أولا: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ إلى أن قال:
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وكان يمكن أن يقال: وأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم، لكنه وضع موضع ذلك وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لإتيان لفظ الرسوخ؛ لأنه لا يحصل إلا بعد التثبت العام والاجتهاد البليغ، فإذا استقام القلب على طريق الإرشاد ورسخ القدم في العلم، أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وكفى بدعاء الراسخين في العلم:
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [سورة آل عمران آية: ٨] .. إلخ شاهدا على أن الراسخين في العلم مقابل لقوله: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ وفيه إشارة إلى أن الوقف على قوله: إِلَّا اللَّهُ تام، وإلى أن علم المتشابه مختص بالله تعالى. وأن من حاول معرفته هو الذي أشار