للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا ترى أن فَطَرَ معناه عند غير قريش: «ابتدأ» فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها؛ قال ابن عباس:

ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [سورة فاطر آية: ١] وقال أيضا:

ما كنت أدري معنى قوله تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ [سورة الأعراف آية: ٨٩] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك: أي أحاكمك.

وكذلك قال عمر بن الخطاب، وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [سورة النحل آية: ٤٧] أي على تنقص لهم.

وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلّى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [سورة ق آية: ١٠] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأمثلة.

القول الثالث: أن هذه اللغات السبع إنما تكون في مضر، قاله قوم، واحتجوا بقول عثمان: نزل القرآن بلغة مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهزيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة، ومنها لقيس، قالوا: فهذه قبائل مضر تستوعب بسبع لغات على هذه المراتب، وقد كان ابن مسعود يحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر، وقالوا: في مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن بها، مثل كشكشة قيس وتمتمة تميم.

فأما كشكشة قيس: فإنهم يجعلون كاف المؤنث شينا فيقولون في: جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [سورة مريم آية: ٢٤] جعل ربّش تحتش سريّا.

وأما تمتمة تميم: فيقولون في الناس: النات، وفي أكياس: أكيات، قالوا: وهذه لغات يرغب عن القرآن بها ولا يحفظ عن السلف فيها شيء. وقال آخرون: أما إبدال الهمزة عينا وإبدال حروف الحلق بعضها من بعض فمشهور عن الفصحاء، وقد قرأ به الجلة واحتجوا بقراءة ابن مسعود (ليسجننه عتى حين) ذكرها أبو داود.

وبقول ذي الرمة:

فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولونك إلا عنّها غير طائل

القول الرابع: ما حكاه صاحب الدلائل عن بعض العلماء، وحكى نحوه القاضي ابن الطيب قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا: منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [سورة هود آية: ٧٨] وأطهر وَيَضِيقُ صَدْرِي [سورة الشعراء آية: ١٣] ويضيق.

<<  <   >  >>