حديث أبي- حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالف.
القول الثاني: قال قوم: هي سبع لغات في القرآن على لغات العرب، كلها يمنها ونزارها؛ لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن» قال الخطابي: على أن في القرآن ما قد قرئ بسبعة أوجه وهو قوله: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [سورة المائدة آية: ٦٠] وقوله: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [سورة يوسف آية: ١٢] وذكر وجوها، كأنه يذهب إلى أن بعضه أنزل على سبعة أحرف لا كله.
وإلى هذا القول: بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف على سبع لغات، ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظّا فيها من بعض، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن عثمان قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش، فإنه نزل بلغتهم. ذكره البخاري، وذكر حديث ابن عباس قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الدار واحدة. قال أبو عبيد: يعني أن خزاعة جيران
قريش فأخذوا بلغتهم.
قال القاضي ابن الطيب: معنى قول عثمان: فإنه نزل بلسان قريش، (يريد معظمه وأكثره)، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره منزّل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف خلاف لغة قريش، وقد قال الله تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [سورة الزخرف آية: ٣] ولم يقل قريشيّا، وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب، وليس لأحد أن يقول: إنه أراد قريشا من العرب دون غيرها، كما أنه ليس له أن يقول: أراد لغة عدنان دون قحطان، أو ربيعة دون مضر؛ لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا.
وقال ابن عبد البر: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب والله أعلم، لأن غير لغة قريش موجود في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها، وقريش لا تهمز.
وقال ابن عطية: معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن، فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ.