من دولته قرر مَعَه اسْتِخْلَاف أبي الْعَبَّاس احْمَد بن مُحَمَّد الْبَارِزِيّ الشَّافِعِي عوضا عَن قَاضِي بَغْدَاد أبي مُحَمَّد ألاكفاني وَكتب أَبُو حَامِد إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين وَأهل خُرَاسَان أَن الْخَلِيفَة نقل الْقَضَاء عَن الْحَنَفِيَّة إِلَى الشَّافِعِيَّة وَكَانَ الْقَادِر بِاللَّه قد سير إِلَى مَحْمُود خلعة السلطنة سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة بعد أَن انْقَطَعت الدولة السامانية فحصلت بذلك فتْنَة بخراسان بَين الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة صَار أمرهَا إِلَى رُجُوع الْقَضَاء إِلَى الْحَنَفِيَّة وَانْقِطَاع أبي حَامِد عَن دَار الْخلَافَة وَظُهُور التسخط عَلَيْهِ والانحراف عَنهُ وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة
وَلما قدم عبد الرَّحِيم بن خَالِد مولى جمح على مصر نشر بهَا مَذْهَب مَالك وَتُوفِّي بالإسكندرية سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ نشره بهَا أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم فاشتهر حِينَئِذٍ اكثر من مَذْهَب أبي حنيفَة إِلَى أَن قدم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي إِلَى مصر مَعَ عبد الله بن الْعَبَّاس بن مُوسَى فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة فَتَبِعَهُ جمَاعَة من أعيانها كبني عبد الحكم وَالربيع والمزني والبويطي وَكَتَبُوا عَن الشَّافِعِي مَا أَلفه وتبعوا مذْهبه فقوي حِينَئِذٍ واشتهر وَصَارَ الْقَضَاء فِي مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن قدم الْقَائِد جَوْهَر من بِلَاد إفريقية فِي سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة وَبنى مَدِينَة الْقَاهِرَة وَكَانَ شِيعِيًّا فَفَشَا مَذْهَب التَّشَيُّع بِمصْر وَعمل بِهِ فِي الْقَضَاء والفتيا وَأنكر على من خَالفه وَلم يبْق بِمصْر مَذْهَب سواهُ حَتَّى قَامَ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين ابْن أَيُّوب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَشرع فِي تَغْيِير دولة الإسماعيلية وإزالتها وانشأ بِمصْر مدرسة للفقهاء الشَّافِعِيَّة وَصرف قُضَاة مصر الشيعية كلهم وفوض الْقَضَاء لصدر الدّين عبد الْملك بن درباس الماراني الشَّافِعِي فَلم يستنب عَنهُ فِي إقليم مصر إِلَّا من كَانَ شافعيا فتظاهر النَّاس من يَوْمئِذٍ بِمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ واختفى مَذْهَب الشِّيعَة والإسماعيلية والأمامية حَتَّى فقد من ارْض مصر كلهَا
وَكَذَلِكَ كَانَ السُّلْطَان نور الدّين مَحْمُود بن عماد الدّين زنكي حنفيا فِيهِ تعصب فنشر مَذْهَب ابي حنيفَة بِبِلَاد الشَّام وَمِنْه كثرت الْحَنَفِيَّة بِمصْر وَمَا زَالَ مَذْهَبهم ينتشر ويقوى وفقهاؤهم تكْثر بِمصْر وَالشَّام من يَوْمئِذٍ وَحمل السُّلْطَان صَلَاح الدّين النَّاس أَيْضا على عقيدة الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل ألاشعري وَشرط ذَلِك فِي أوقافه الَّتِي بديار مصر كالمدرسة الناصرية والقمحية وخانقاه سعيد السُّعَدَاء فِي