للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ابتدأ ذاك في إقالتها من عثرتها, ولكنها انقسمت إلى دائرتين عظيمتين: الواحدة: مؤلفة من بقايا الأشراف الذين رجعوا إلى باريس وجمعوا بقايا عيالهم وأموالهم وعاشوا بالاقتصاد. والثانية: من التجار والصيارفة الذين حصلوا ثروة عظيمة في وسط زوابع الثورة.

وكانت نيران الحرب قد استعرت وقتئذ بين فرنسا وبقية دول أوربا إذا تحالفت جميع دول أوروبا على محاربة فرنسا واقتسامها فيما بينهم وذلك على تلك الحرب الأهلية التي أثارها الأهالي بسبب سوء سياسة جمعية اتفاق الأمة فحار رئيس الجمعية في أمره, ولكنه قال: أنا أعرف من القادر على المحاماة فهو ذلك الشاب الكورسيكي "نابوليون بونابرت" الذي طرد جيوش الإنكليز من "طولون" واسترجع المدينة.

فدعوا "نابوليون" على مواجهة الجمعية وكان بمدينة "فالنس" في بداية الثورة في رتبة قائم مقام. وكان حاد الطبع, قليل الكلام والحركة, كثير التفكير, شديد الميل على المطالعة. فلما دعته جمعية اتفاق الأمة أجاب الدعوة ومثل لديها. فسأله الرئيس إذا كان يقبل أن يأخذ على نفسه المحاماة عن البلاد فقال نعم. ثم سأله أنه كان يعلم عظم هذه الشيعة. فأجاب: إنه يعلم ذلك حق العلم فذاعت أخبار ذلك على البلاد على داخل باريس, وشهر الحرب على العصاة وأرجعهم على الطاعة, فذاع اسم "نابوليون بونابرت" في أطراف باريس وتحدثوا به وبأعماله في كل قصر, وبيت, وحانوت, وفي الأزقة, وعلى الطرقات. ولقبه البعض بمخلص "الكونفانيسيون" أي اتفاق الأمة, والبعض بعفريت الحرب.

وفي مساء يوم من الأيام كانت "جوزفين" في بيت أحد أصدقائها وبينما هي تنظر من نافذة إلى بعض أزهار البنفسج إذ دخل "نابوليون" ولم تكن تعرفه ولكن قد سمعت عنه إذ كانت شهرته قد ملأت الحاضرة, ولما دخل سر الجميع به وأحدقت العيون إليه فسلم على الجميع, ثم تقدم وأخذ مكانا بالقرب من "جوزفين" وجعلا يتحدثان في أمر المعركة الجندية التي جرت في أسواق باريس, وهذه كانت أول مواجهة بينهما ولم يمض على ذلك مدة قصيرة حتى أمر "نابوليون" بجمع كل الأسلحة من الأهالي وأخذ بالجملة سيف "بواهرني" فلما علم "أيوجين" بذلك ذهب من الغد إلى "نابوليون" وكان من العمر حينئذ اثنتا عشرة سنة وطلب منه استرجاع سيف والده فسر" نابليون" من جراءة الولد وحماسته وسمح له به في الحال, وأرادت "جوزفين" إظهار شكرها "لنابوليون" فذهبت إليه بنفسها وشكرته على ذلك فسر منها أضعاف سروره من الولد. ومن ثم صارا يلتقيان كثيرا ولم يخف عن "جوزفين" ميله إليها وحدثته نفسه من ذلك الوقت بالاقتران بها وأحبها حبا عظيما, وكانت هي المرأة الوحيدة التي أحبها في حياته, ولم يحل عن حبها مع كثرة ما طرأ عليه من الحوادث والغير.

أما "جوزفين" فكانت في ريب من أمر اقترانها به وقد قالت ذات مرة لبعض أصدقائها: إنها لم تر في زمانها إنسانا محبوبا مثله, وإنها شغفة بشجاعته وسعة اختياره, ولكنها لم تكن تحبه مقدار ما كان يحبها, بل كانت ترهبه وترتعد من ننظره إليها, وقد قالت مرة لإحدى صديقاتها: ألا تخاف امرأة جعلها "نابوليون" السرية الخفية التي لا يفهمها حتى مديرونا وكتبت مرة إلى أخرى تقول: قد تقضى شرخ شبابي وهل يوجد رجاء بعد في المطل لكثرة رغبة "نابوليون" في على غير استحقاق مني لها أولا يعيرني بما يكون قد احتمله من أجلي إذا كان يترك محبتي بعد اقتراننا, ماذا أصنع؟ وبماذا أجيب؟ اكتبي إلي حالا ولا تخافي أن توبخيني إذا وجدت أنني مخطئة وأنت تعرفين أن كل ما يخطه يراعك مقبول إن "باراس" أكد أني إذا اقترنت ب "نابوليون" يوليه

<<  <   >  >>