للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على إيطاليا فماذا تقولين عن هذا النجاح؟ انتهى.

وكانت عواصف الثورة قد خمدت وقتئذ ولكن أوروبا كلها كانت لم تزل شاهرة السلاح علة فرنسا, وكان الحكم غير ثابت والشرائع غير محترمة فوقف هذا القائد الحديث السن كل أيامه لمصلحة الجمهور, ولكنه كان يخصص كل مساء ل "جوزفين", ولم يذق في أيامه شيئا من أفراح الشبان ومسراتها, لأن رغبته في حب الارتقاء غلبت على كل شيء ولكن لم يكن عنده مع كل ذلك شيء أسعد وأبهج من الساعات التي كان يقضيها وحده مع "جوزفين" إما بالأحاديث المفيدة, وإما بالمطالعة النافعة وكانت محبته لها ورغبته فيها تزداد يوما فيوما, ولم تكن صفات النساء في فرنسا وقتئذ تعد في منزلة عالية, وكان "نابوليون" قلما يحترم هذا الجنس ويقول: " إن كل النساء لا يقسن بجوزفين". وقد كان معتادا أن يرى في بيت "جوزفين" بعضا من الأصدقاء المخلصين الذين كانوا يحبونها محبة خالصة, ويرغبون في ترقية "نابوليون" إكراما لها.

أما "نابوليون" فكان ذا عواطف قوية ولكن حبه للارتقاء والارتفاع كان أقوى. وأما "جوزفين" فكانت قانعة بخلوص محبته لها وشدة غرامه بها وما زالا يظهران الحب والتودد لبعضهما حتى كان التاسع من آذار (مارس) سنة ١٧٩٦ للميلاد فاقترن "نابوليون" ب "جوزفين".

وفي تلك الأثناء تولى "نابوليون" قيادة العساكر الفرنساوية في إيطاليا فترك عروسه بعد زفافه باثني عشر يوما, وأسرع إلى الجيش وكان كأنه لم يشعر بتعب ولا بجوع ولا نعاس وهو على ظهر جواده نهارا وليلا ولم يمض على توليته قيادة الجيش خمسة عشر يوما حتى أحرز الغلبة في ست وقائع وغنم إحدى وعشرين راية وخمسة وخمسين مدفعا, وعدة أماكن حصينة, وأغنى جهات أرض "بيارمونت", وأسر خمسة عشر ألف أسير وقتل وجرح عشرة آلاف جندي, وطرد النمساويين من إيطاليا وأرجعهم إلى بلادهم فإن إيطاليا كانت في تلك الأيام مقسومة على عدة ممالك وولايات صغيرة مستقلة, أكثرها خاضع للنمسا ولما علمت "جوزفين" بانتصار زوجها أتت إليه لكي تشاركه في أفراحه فأخذ قصر "منتبلو" في "ميلان" مسكنا لهما فقضت "جوزفين" هناك عدة من الشهور في سعادة ورخاء, فكان لها كل معدات الثروة والغنى بعدما كانت أرملة فقيرة أصبحت زوجة قائد ظافر قد طبقت شهرته آفاق أوروبا وبعدما كانت أسيرة محكوما عليها بالموت وجدت نفسها محاطة بالأشراف والأمراء, وكان لها منزلة عالية في قلب كل ميلاني وقد قال "نابوليون" ذات مرة مشيرا إلى ذلك: "إنني تسلطت على الممالك وأما جوزفين فقد تسلطت على القلوب".

ولما أخضع "نابوليون" كل إيطاليا ضرب عليها الضرائب, ووضع لها النظامات الجمهورية وعقد العهود مع دولها وتقدم على محاربة النمسا في أراضيها فانتصر هناك أيضا انتصارا عظيما, وفتح أكثر مدنها, ثم طلبت دولة النمسا الصلح فعقد "نابوليون" معها صلحا عاد على فرنسا بالفوائد العميمة ثم قفل راجعا على باريس تاركا "جوزفين" وأولادها في "ميلان" لكي تحفظ له انقيادهم إليه بأنسها وبشاشتها, وحسن معاملتها. فكانت تدعوهم غالبا إلى بيتها وتفتح أنديتها لهم فعدها أهل "ميلان" ملكة بينهم وكثيرا ما كانت تتعب من أجلهم, ولكنها لم تكن تعبأ بالتعب إكراما لزوجها وحبا له, وكان "نابوليون" يكتب غليها يوميا وهي كذلك وقد قال في نهاية حياته: "إنه مديون لها في كل دقيقة سعيدة حصل عليها على وجه هذه البسيطة".

وكانت "جوزفين" في أثناء إقامة "نابوليون" بباريس تسهر على مصالح الجمهور وتجهد أيضا في المحافظة على مصلحة "نابوليون" وتؤيد سطوته, وكانت معجبة بتقدمه راغبة في ازدياد شوكته ومع أن حاشيتها كانت من الأمراء والأشراف, فإن العامي لم يشعر أنها بعيدة عنه ولا الفقير أنها لا تلتفت غليه, بل شعروا جميعا بقربها

<<  <   >  >>