أكفيك هذا إن أذنت لي. قال: نعم. افعل ما شئت فإنها أفضل شيء نلته من الدنيا فأتاها ليلا ومعه أسودان فاستأذن عليها فقالت له: أفي مثل هذه الساعة يا ابن أبي فروة قال: نعم. فأدخلته. فقال للأسودين: احفر ههنا بئرا. فقالت له جاريتها: وما تصنع بالبئر؟ قال: شؤم مولاتك، أمرني هذا الفاجر أن أدفنها حية وهو أسفك خلق الله لدم حرام. فقالت عائشة: فأنظرني أذهب إليه. قال: هيهات، لا سبيل إلى ذلك. وقال للأسودين: احفر ههنا بئرا. فقالت له جاريتها: وما تصنع بالبئر؟ قال: شؤم مولاتك، أمرني هذا الفاجر أن أدفنها حية وهو أسفك خلق الله لدم حرام. فقالت عائشة: فأنظرني أذهب إليه. قال: هيهات، لا سبيل إلى ذلك. وقال للأسودين: احفرا.
فلما رأت الجد منه بكت. ثم قالت: يا ابن أبي فروة، إنك لقاتلي ما منه بد. قال: نعم، وإني لأعلم أن الله سيجزيه بعدك ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت: وفي أي شيء غضبه؟ قال: في امتناعك عنه وقد ظن أنك تبغضينه وتتطلعين إلى غيره فقد جن. فقالت: أنشدك الله إلا عاودته. قال: إني أخاف أن يقتلني. فبكت وبكى جواريها فقال: قد رققت لك وحلف أنه يغرر بنفسه، ثم قال لها: فما أقول؟ قالت: تضمن عني أني لا أعود أبدا. قال: فما لي عندك؟ قالت: قيام بحقك ما عشت. قال: فأعطني المواثيق. فأعطته، فقال للأسودين: مكانكما، وأتى مصعبا فأخبره فقال له: استوثق منها بالأيمان ففعلت وصلحت بعد ذلك لمصعب.
ودخل عليها مصعب يوما وهي نائمة متصبحة ومعه ثمان لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار فأنبهها ونثر اللؤلؤ في حجرها. فقال له: نومتي كانت أحب إلي من هذا اللؤلؤ. قال: وصارمت مصعبا مرة فطالت مصارمتها له وشق ذلك عليها وعليه وكانت لمصعب حرب فخرج إليها ثم عاد وقد ظفر فشكت عائشة مصارمته إلى مولاة لها فقالت: الآن يصلح أن تخرجي إليه، فخرجت فهنأته بالفتح وجعلت تمسح التراب عن وجهه فقال لها مصعب إني أشفق عليك من رائحة الحديد. فقالت: لهو والله عندي أطيب من ريح المسك.
وقال ابن يحيى: كان مصعب من أشد الناس، إعجابا بعائشة بنت طلحة ولم يكن لها شبيه في زمانها حسنا ودماثة وجمالا وهيئة ومتانة وعفة وإنها دعت يوما نسوة من قريش، فلما جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطيب والمجمر وخلعت على كل امرأة منهن خلعة تامة من الوشي والخز ونحوهما ودعت عزة الميلاء، ففعلت بها مثل ذلك، وأضعفت ثم قالت لعزة هاتي يا عزة فغنينا فغنت:
وثغر أغر شنيب البنات ... لذيذ المقبل والمبتسم
وما ذقته غير ظن به ... وبالظن يقضي عليك الحكم
وكان مصعب قريبا منهن ومعه إخوان له، فقام فانتقل حتى دنا منهن والستور مسبلة فصاح: يا هذه إنا قد ذقناه فوجدناه على ما وصفت فبارك الله فيك يا عزة، ثم أرسل إلى عائشة أما أنت فلا سبيل لنا إليك مع من عندك، وأما عزة فتأذنين لها أن تغنينا هذا الصوت، ثم تعود إليك، ففعلت وغنته مرارا وكاد أن مصعب يذهب عقله فرحا وسرورا، وأمرها بالعود إلى مجلسها وقضوا يوما على أحسن حال.
ولما قتل مصعب عن عائشة تزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر التميمي فحمل إليها ألف ألف درهم وقال لمولاتها: لك علي ألف دينار إن دخلت بها الليلة، وأمر بالمال فحمل فألقي في الدار وغطي بالثياب، وخرجت عائشة. فقالت لمولاتها: أهذا فرش أم ثياب؟ قالت لها انظري إليه فنظرت فإذا هو مال فتبسمت فقالت لها مولاتها أجزاء من حمل هذا أن يبيت عزباً؟ قالت: لا والله ولكن لا يجوز دخوله إلا بعد أن أتزين له وأستعد قالت: فيم ذا فوجهك والله أحسن من كل زينة، وما تمدين يديك إلى طيب أو ثياب أو حلي أو فرش إلا وهو عندك وقد عزمت عليك أن تأذني له. قالت: افعلي فذهبت إليه. فقالت: قم بنا فقد قبلت فجاءهم عند العشاء الأخيرة، وقالت حين دخل بها: