للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد رأيناك فلم تحل لنا ... وبلوناك فلم نرض الخبر

وكانت رملة بنت عبد الله بن خلف زوجة لعمر بن عبيد الله بن معمر، ولما تزوج عائشة قالت: فإني لمولاة لعائشة، أريني عائشة متجرة ولك ألف درهم، فأخبرت عائشة بذلك فأشرفت عليها مقبلة ومدبرة، فأعطت رملة مولاتها ألفي درهم وقالت: لوددت أني أعطيتك أربعة آلاف درهم ولم أرها.

فمكثت عائشة عند عبيد الله بن معمر ثمان سنين ثم مات عنها سنة اثنتين وثمانين فتأيمت بعده فخطبها جماعة فردتهم ولم تتزوج بعده أبدا.

وكانت عائشة من أشد الناس مغالظة لزواجها وكانت تكون لكل من يجيء يحدثها في رقيق الثياب فإذا قالوا قد جاء الأمير ضمت عليها مطرفها وقطبت وكانت كثيرا ما تصف لعمر بن عبيد الله مصعبا وجماله وتغيظه بذلك فيكاد أن يموت، وكان شديد الغيرة فدخل يوما على عائشة وقد ناله حر شديد وغبار فقال لها: انفضي التراب عني فأخذت منديلا تنفض عنه التراب، ثم قالت له: ما رأيت الغبار على وجه أحد قط أحسن منه على وجه مصعب قال: فكاد يموت غيظا.

ودخلت عائشة على الوليد بن عبد الملك وهو بمكة فقالت: يا أمير المؤمنين، مر لي بأعوان، فضم إليها قوما يكونون معها فحجت ومعها ستون بغلا عليها الهوادج والرحائل، وكانت سكينة بنت الحسين - رضي الله عنهما - في تلك السنة فقال حادي عائشة:

عائش يا ذات البغال الستين ... لا زلت ما عشت كذا تحجين

فشق ذلك على سكينة ونزل حاديها. فقال:

عائش هذه ضرة تشكوك ... لولا أبوها ما اهتدى أبوك

فأمرت عائشة حاديها أن يكف فكف واستأذنت عاتكة بنت يزيد بن معاوية عبد الملك في الحج فأذن لها وقال: ارفعي حوائجك واستظهري فإن عائشة بنت طلحة تحج هذه السنة، ففعلت، فجاءت بهيئة جهدت فيها فلما كانت بين مكة والمدينة إذا بموكب قد جاء فضغطها وفرق جماعتها فقالت: أرى هذه عائشة بنت طلحة فسألت عنها فقالوا: هذه خازنتها، ثم جاء موكب آخر أعظم من ذلك الموكب فقالوا: عائشة عائشة فضغطهم. فسألت عنه فقالوا: هذه ماشطتها، ثم جاء مواكب على هذا المنوال، ثم أقبلت كوكبة فيها ثلثمائة راحلة عليها القباب والهوادج فقالت عاتكة: ما عند الله خير وأبقى.

ووفدت عائشة بنت طلحة على هشام فقال لها: ما أوفدك؟ قالت: حبست السماء المطر ومنع السلطان الحق قال: إنس سأعرفه حقك، ثم بعثت إلى مشايخ بني أمية. فقال: إن عائشة عندي فأسمروا عند الليلة فحضروا فما تذاكروا شيئا من أخبار العرب وأشعارها وأيامها إلا أفاضت معهم فيه وما طلع نجم ولا غار إلا سمته فقال لها هشام: أما الأول فلا نكره، وأما النجوم فمن أين لك؟ قالت: أخذتها عن خالتي عائشة فأمر لها بمائة ألف درهم وردها إلى المدينة.

ولما تأيمت عائشة كانت تقيم بمكة سنة وبالمدينة سنة وتخرج إلى ما لها بالطائف وقصر لها فتتنزه وتجلس بالعشيات فتتناضل بين الرماة، فمر بها النميري الشاعر فسألت عنه فنسب فقالت له لما أتوها به: أنشدني مما قلت في زينب فامتنع وقال: ابنة عمي وقد صارت عظاما بالية. قالت: أقسمت عليك، فأنشدها قوله:

<<  <   >  >>