سيدها منزلا مكافأة لها على صداقتها وزوجها من رجل ملائم لها ثم متى وضعت طفلا ترسل إلى أهلها سلام هذا الطفل بمعنى أنها تلوث أصابع الطفل بالحبر وترسمها في هامش الرسالة فتنوب هذه العلامة عن إهداء السلام ويظهر لهن من تلك الرسائل أن الجارية بعد زواجها لم تزل متمتعة بحماية سيدها وعنايته بها فتقع هذه الأنباء في قلوب البنات موقعا عجيبا إلى حد أنهن ينفرن من البقاء منزلهن الذي شببن به ويصير في عينهن ظلاما وتتولد فيهن الكراهة من الأطعمة التي ألفنها، وكانت لذيذة الطعم في أفواههن.
وبالجملة فإنهن يرين الخدمة التي تعودن عليها ثقيلة جدا وبالنظر إلى هذه الخيالات التي تتجسم في أذهانهن لا يبقى لهن من ميل إلى العمل فيستولي عليهن الخمول والكسل، ويعرضن حينئذ أنفسهن للإهانة والتكدير من أمهاتهن وآبائهن، أو يسمعن منهن كلاما أمر من الصبر وأثقل من أتعاب الأعمال مثل قولهم لهن:(إن الخبز لا يؤكل بدون عمل) . وغير ذلك من الكلمات التي تمس كرامتهن، فتأخذ كل واحدة منهن أن تناجي نفسها قائلة: ألي غريبا أن أضطر أولا إلى الزرع، ثم إلى الحصاد، ثم لصنع الخبز لأجل أن آكل لقمة من الطعام فإذا ذهبت إلى الأستانة صرت هناك مصاحبة لأحد الأفندية فيأتيني الخبز والطعام المطبوخ، وفي مقابلة ذلك لا أسأل إلا عن خدمة المنزل، فإذا أصبحت سيدة أليس أنني أهتم بإدارة منزلي وتدبيره أما هنا فما هي المكافأة التي من المحتمل أن أراها بإزاء ما أؤديه من الخدمة؟ على أنني إذا خدمت أحد الأفندية حصلت ولا ريب على المكافأة، ثم أصير حرة وأستخدم الخدم وحينئذ أصبح سيدة.
وعلى أثر هذه المناجاة تشتد بها الرغبة في الذهاب إلى الأستانة واشتغال فكر الفتيات بتصور هذه الخيالات مع محبتها أمها وأباها تنظر إليهما من قبيل شكرها النعمة، وإذا كانت الأحوال لا توجب التحسين الكلي إلا أنه من حيث إنني لم آتك بهذه الإيضاحات إلا على سبيل الحكاية والمعلومات وحيث إنني لم أتعرض فيه للحكم على إصابتها والعكس أطلب منك إذا كانت لا ترين هذه الخيالات التي تتجسم في ذهن الفتاة الجركسية موافقة لحب وطنها وعائلتها وتحميلها على حب الذات الصرف فصرحي بملاحظتك المقنعة.
قالت: أرى أيتها السيدة أنك عرفت الرقيقة تعريفا لطيفا بهذا المقدار حتى يكاد يجعل كل إنسان ميالا إلى أن يكون رقيقا.
قلت: كلا أيتها المدام لا يجد أن نكثر سواد الأرقاء إلى هذا الحد فإن ذلك يصيب نقصا في عدد حماتهم بالنسبة إليهم وبالنتيجة تقل قوة الحماية أيضا.
وبينا كنا نحن الثنتان نتضاحك من ذلك كانت الراهبة إلى هذا الوقت لم تشترك معنا بالمحاورة، وربما لم تنتبه إليها أيضا كما ينبغي حسب ما استفيد ذلك من مرآها، أما أنا فقد انتبهت لكلام المدام انتباها يختلف عن صورته الأولى.
فقلت: إن المعلومات التي بينتها لك عن الجواري إنما هي مبنية على القواعد الشرعية الأساسية وعلى عادات وأفعال الأسر التي تراعي هاته القواعد مع سائر المقتضيات الإنسانية وإلا فإن العالم منه المليح والقبيح حتى إن القبيح في بعض الأشياء متغلب على الحسن والفطرة البشرية منهمكة في تغيير وتحويل الأشياء الحسنة إلى الوجهة الرديئة، ميالة مع سوء الاستعمال، فبناء على ذلك لا ينكر بالكلية أن يتخلل مسألة الأسارة أمور شتى من القبائح إذ إنه لا بد من يوجد أيضا آباء يبيعون بناتهم اللاتي يكن غير راغبات فيا لخروج عن أوكارهن وذلك لمجرد أن يستفيدوا من ثمنهن، كما أن هناك سادت عاملون الجارية التي يكونون قد اشتروها