من الثلج الأبيض الناصع والصدف المضيء اللماع، وبينما كنت سائحة في قضاء التصور بهذا الهيكل العجيب التفتت إلي المومى إليها وقالت: بأي شيء تفتكرين؟ ولماذا أراك ملتزمة جانب الصمت؟ فقلت: إنني أفتكر بك كما تنظرين لا جرم أنك قد وقفت على جميع الأشياء وأمعنت فيها نظر التدقيق فعرفت حكمتها ففي حين أنك أحطت بها علما يقتضي حتما أن تكوني صرفت وقتا طويلا في النظر إلى المرآة لأجل التدقيق بجمالك ومحاسنك لأنك لست بمحتاجة إلى مثال آخر في مشاهدة الجمال.
قالت: أجل إني غير ناكرة وأعلم قدر إحسان حضرة الخالق سبحانه بالحسن والملاحة التي خصني بها وشاكةة هذا الإحسان، ولست كبعض النساء اللاتي يتظاهرن بأنهن لا يعرفن أنفسهن أهن جميلات أم لا وهن يقصدن أن يكن معروفات بأنهن أكثر النساء جمالا، ولا أحسد اللاتي هن جميلات أكثر مني كما أنني أعرف قصوري أيضا فانظري أيتها السيدة هل ترين تناسبا بين ما أوتيته من الجمال وبين هاته الأيدي والأقدام إن كبرهما إنما هو نقص محض ولكني لست بآسفة على ذلك بل أنا ممتنة إذ لو لم يكن بي هذا القصور لربما كان استولى علي الغرور، ولكنت لا أدرك أن الغرور غير لائق بالعبيد على أن قصوري قد عرفني أن العبد لا يمكن أن يكون بلا قصور، وأنه لا يليق بنا الغرور مع هذا النقص ولأجل ذلك لا أشكو مما أراه من النقص في يدي ورجلي وذلك لأكون على الدوام مسرورة.
لا جرم أن المدام كانت تتكلم بالصواب لأن يديها ورجليها لم تكن متناسبة مع مجموع حسنها ولكنني لا أعلم إذا كان يتيسر لكل عبد أن ينظر قصوره ويكسر عظمته وكبرياءه أما إذا اجتمع العلم مع علو الأخلاق فيتولد من ذلك إنسان كامل المدام المومى إليها.
ثم قالت المادام: وفي حين إن الناس تبدو مظاهر عجزهم وضعفهم لأعينهم بكثير من الدلائل تراهم ينسون أنفسهم ويجترؤن على الغرور كأن لم تكن تلك الأدلة شيئا مذكورا مع أننا إذا خفضنا رؤوسنا إلى الأسفل ورفعناها إلى الأعلى نشاهد عظمة الله جل جلاله وضعف ذواتنا, نحن لا يلزمنا أن نتوغل في أغوار نفوسنا ولا أن نصعد في درجات الأوج الأعلى, وإنما علينا أن ننظر إلى البحر والسماء فما هي المناظر والمظاهر التي تجلوها لنا السماء؟ أليست تقول لنا بلسان حالها: أنكم عاجزون عن مشاهدة أقماري والوصول إلى معرفة أسراري لماذا لا نتسوح في الأجرام السماوية التي فهمنا أن كلا منها إنما هو عالم مستقل ألم نهتم بذلك كثيرا بلى لقد اختراعنا المنظار زعما منا أننا سنوفق إلى الوصول إلى تلك الأجرام, فخاب الظن وكنا إذ ذاك في حالة الغرور, ولكن كان كل اقتدارنا أن بلغنا بعد الجهد الجهيد والسعي المتواصل للصعود إلى عدد معلوم من الكيلومترات هذا ما فهمناه وقد هبطنا من ذاك العلو بصورة هائلة أرتنا الموت عيانا, وسمعنا كلمات التهديد تخاطبنا قائلة بلسان الجلل إنكم غير مأذونين أن تصعدوا إلى أعلى من هذا الحد وأنتم لم تخلقوا لتعيشوا في هذا الفضاء فإما أن تعودوا من حيث أتيتم وإما أن ترضوا بالموت صاغرين حتى إذا أخذ الدم يتدفق من مسامنا ورأينا هاته الحال المدهشة أجبرنا على الرجوع أفلم يكن ذلك من الغرور المحض.
قلت: لقد نطقت بالصواب على أن صاحب هذه الأفكار يجب أن يكون نظيرك من ذوي الأخلاق الحسنة والعلم الواسع إذ لا يختلف اثنان أن الإنسان أينما وجه التفاته وفي أي شيء حصر فكره وتأمله تتجلى له عظمة الله ووحدانيته عيانا, ولكن هل تحسبين أن أي الناس ينظر إلى ذلك بهذا النظر المجرد أو أنه يسر