من العمر وبحسب النسخة السامرية يلزم أن يكون نوح -عليه السلام- حين وفاة آدم -عليه السلام- بالغا ٢٢٣ سنة من العمر وهذا مردود باطل باتفاق المؤرخين والنسخة العبرانية مع النسخة اليونانية أيضا تكذب ذلك, لأن ولادة حضرة نوح بموجب النسخة اليونانية إنما كانت بعد سبعمائة واثنتين وثلاثين سنة.
ثم إن المدة من الطوفان إلى ولادة إبراهيم -عليه السلام- هي ٢٩٢ سنة بمقتضى النسخة العبرانية و ١٠٧٢ بموجب النسخة اليونانية و ٩٤٢ بحسب النسخة السامرية, وهذا اختلاف فاحش أيضا ومما تقدم أعلاه يظهر أنه بحسب النسخة العبرانية كانت ولادة إبراهيم -عليه السلام- بعد طوفان بمائتين واثنتين وتسعين سنة حالة كونه قد جاء مصرحا في الآية الثامنة من الباب التاسع من سفر التكوين إن نوحا -عليه السلام- قد عاش ثلثمائة وخمسين سنة بعد الطوفان فمن ذلك يلزم أن يكون إبراهيم حين وفاة حضرة نوح في الثامنة والخمسين من عمره هذا باطل باتفاق المؤرخين, والنسخة اليونانية والسامرية أيضا تكذبانه لأن ولادة حضرة إبراهيم بحسب النسخة الأولى كانت بعد وفاة نوح بتسعمائة واثنتين وعشرين سنة, وبموجب الثانية بخمسمائة واثنتين وتسعين سنة, ولما كان من المستحيل العقلي وجود التناقض في كلام الله كانت آيات التوراة الشريفة المتعلقة بهذا البحث محرفة لا محالة.
قالت المادام: أجل إنني أعلم أن القرآن قد وصل إليكم كما سمع من نبيكم دون أن تطرأ عليه العوارض.
قلت: هو كذلك وعلاوة على هذا فإن المجتهدين عندنا لم يزيدوا شيئا على عقائدنا الدينية مخالفا للعقل والحكم, ونحن يمكننا أن نزن عقائدنا في ميزان الحكمة أما النصرانية فإن أبواب الحكمة مقفلة عندها.
قالت: في الحقيقة إن دينكم موافق للعقل والحكمة وهو من الأديان التي يمكن لكثير من العلماء الذين جردتهم مسألة التثليث من الدين قبوله والتدين به, ولقد توصلت بواسطة هذه الإيضاحات التي وقفت عليها إلى حل إشكال كنت مترددة في حله وذلك أن المرسلين عندنا في حين إنهم أنفقوا كثيرا من ألموال وألقوا بأنفسهم في التهالك والأخطار رغبة في دعوة الخلق إلى النصرانية فلم ينجحوا تمام النجاح, وأما حجاجكم وتجاركم فقد تمكنوا من دعوة ألوف من الناس إلى الإسلامية بمزيد السهولة في كثير من الأماكن التي مروا فيها ولقد طالما افتكرت في سر هذا الأمر وحكمته فلم أهتد إليه سبيلا أما الآن فقد فهمت أن لطافة دينكم وسهولته وانطباقه على الحكمة قد حمل الخلق على قبوله بهذه السهولة. وفي الحقيقة إن دينكم لا مرية في حقيته ولا مطعن عليه ولكن هناك مسألة واحدة تجعل الناس نفورا منه وتقوم سدا في وجه حسنه ألا وهي مسألة الحجاب عند النساء فإنه من الصعب جدا على الرجال والنساء من المسيحيين الذين ألفوا الحرية وعدم التستر أن يرضوا به ولو لم تكن فيه هاته المسألة لأصبح عدد كثير من الخلق الذين يبحثون عن دين لهم مسلمين.
قلت: لقد بينت لك أن قاعدة الحجاب في الشريعة إنما هي ستر الشعور.
قالت: وهذا لا يرضونه لأنهم متى صاروا مسلمين أجبروا على اتباعه.
قلت: إن المرأة التي لا تستر شعورها لا تخرج من الدين, وإنما ترتكب إثما وأساس الدين الإسلامي الاعتقاد بوحدانية الله تعالى ونبوة محمد عليه الصلاة والسلام فالشخص الذي يعتقد ويسلم بهاتين القضيتين على أي دين ومذهب كان فهو مسلم ولا شرط في ذلك كليا نعم إن على المسلم بعض تكاليف إلهية كالصلاة والصيام وهي الفروض التي أمر بها الحق سبحانه وتعالى وقتل النفس وارتكاب المعاصي وهي الأمور التي نهى عنها