و"الرحيم" عامٌ لفظًا، لأنه قد يسمّى به تعالى. قال تعالى في حق نبيّه - صلى الله عليه وسلم -: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}[التوبة: ٢٨]
و"الرحمن الرحيم" صفتان مشبَّهتان، مشتَقّتان من "رَحِمَ" بنقْلِهِ إلى "رحُمَ" لازمًا، لأن الصفة المشبّهة لا تُشتَقّ إلا من لازمٍ، نحو طَهُرَ وحَسُنَ، فالصفة المشبّهة منهما طاهرٌ وحَسَنٌ.
و"الرحمن" أبلغ من "الرحيم" لأن زيادة المعنى تدلّ على زيادة المعنى غالبًا.
وقدّمَ "الرحمن"، لأنه كالعلم، من حيث إنه لا يوصف به غيرُه تعالى. وقيل إنه علم.
ولم يقل "بالله الرحمن الرحيم": اقتداءً بالكتاب العزيز، وتبركًا بذكر اسمه تعالى، وفرْقًا بين التيمّن واليمين. أو قدم "الرحمن" لأن "الرحيم" كالتتمّة له، لدلالة "الرحمن" على أنه هو المتفضّل بجلائل النعم وأصولها، فَرُودِفَ بـ"الرحيم" ليتناول ما خرج منه. أو قدّم "الرحمن" لمراعاة الفواصل. وهو جواب حسن عمّا يقال: إن الترقي يكون من الأدنى إلى الأعلى، لا من الإعلى إلى الأدنى كما هنا، فَيُجابُ بما ذُكِرة أي: لمراعاة الفواصل.
والرحمة في الأصل رقة في القلب تقتضي التفضل والإحسان، وهي بهذا المعنى من المحال على الله تعالى، فيراد لازمها وهو الإنعام [٢ب] والإحسان، أو إرادة الإنعام والإحسان. فعلى تفسيرها بذلك تكون صفةَ فعلٍ، وعلى تفسيرها بالإرادة تكون صفة ذات.
ولهذا كله إنما يتمشّى على مذهب الخَلَف (١) القائلين بأن الرحمة والغضب
(١) هذه إشارة منه رحمه الله إلى أن مذهب السلف بخلاف ذلك، وهو أن الرحمة تجرى على ظاهرها، فهي أمر معلوم هو غير الإنعام، وغير إرادة الإنعام، بل هي صفة لله تعالى تليق بجلاله، لا نكيّفها ولا نعطّل الله تعالى منها، وليست شبيهة برحمة المخلوقين، على حدّ ما ورد عن الإمام مالك رضي الله عنه، حينما سئل عن قوله تعالى: {الرحمن على =