للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؟ [١/ ١١٢] فالجواب: لما فيه من التنويه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والرفع لذكره، لأنه إذا كان على لسان غيره، كان أرفع لذكره، وأفخم لشأنه. على أنه روي أنه نزل الوحي بالأذان بعد لهذه الرؤيا (١). والله سبحانه وتعالى أعلم.

(١) قوله: "والأذان أفضل من الإقامة والإمامة": أما الإقامة فلأنه أكثر ألفاظًا منها وأبلغ في الإعلام، وأما الإمامة فلحديث "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن.

اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" (٢) والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد. ولما روي "أطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذنون" (٣). وإنما لم يتولَّ الأذانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده لضيق وقتهم. قال عمر "لولا الخلافة لأذّنت" (٤) كذا قالوه.

وهو عندي غير ظاهر، لأن الاشتغال بالخلافة لا يشغل عن الأذان دائمًا.

وأيضًا فلم ينقل عن الخلفاء أنهم اشتغلوا بالأذان قبل الخلافة، بخلاف الإمامة.

وبالجملة فالذي يتوجه عندي أن الإمامة أعلى مقامًا من الأذان، فان كبار العلماء يتولون الإمامة دون الأذان، كما عليه عمل الناس في سائر الأمصار والأعصار.

وقول سيدنا عمر "لولا الخلافة لأذّنت" ربما كان معناه أن وظيفة الخلافة الإمامة، والأذان ليس من وظيفتها. فالإمامة في حقه وحق من مثله أفضل من الأذان، كما أن الأذان في حق بعض الناس أفضل من الإمامة، فلكل مقام مقال. هذا ما ظهر،


= ١٨٩)، وابن ماجه (ح ٧٠٦) من حديث عبد الله بن زيدٍ نفسه. وحسنه الترمذي.
(١) لم نجد هذا في كتب الحديث، ولكن في المعجم الأوسط للطبراني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ الأذان في ليلة الإسراء. ذكره في كنز العمّال (٨/ ٣٢٩).
(٢) حديث "الإمام ضامن إلخ" اختلف الأئمة في صحته: وقد أخرجه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أبو داود (ح ٥١٧) والترمذي (١/ ٢٥٠).
(٣) حديث "أطول الناس أعناقًا ... " أخرجه أحمد من حديث أنس مرفوعًا.
(٤) في لسان العرب: "وروي أن عمر قال: لولا الخِلِّيفى لأذنت، وفي رواية: لو أطقْتُ الأذان مع الخلافة لأذنت". ولم نجد لشيء من ذلك سندًا.