للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العصور، واختلاف الأشخاص: أن يجعل تقدير ذلك للقاضي المجتهد العارف لكيفية استعمال الدلالات والأمارات، والعلامات على موت شخص وهلاكه، أو سلامته، وهذا يختلف من شخص لشخص آخر، وعصر لعصر آخر، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ظروف الناس، وغيابهم، والعلم بذلك وعدمه، وسرعة الاتصالات تختلف باختلاف من زمن إلى زمن آخر فلو قُرِّرت مدَّة معينة في قديم الزمان، وعمم ذلك لحديثه - مع عدم وجود نص في ذلك -: فإن هذا يُعتبر ظلمًا للناس مع اختلافهم، قياسًا على النفقة: فإنها تختلف باختلاف كل عصر، فإن قلتَ: إنه ينتظر إلى تمام تسعين سنة من يوم ولادته إن غلب على الظن سلامته، ويُنتظر أربع سنوات منذ فقد إن غلب على الظن هلاكه، وهو ما ذكره المصنف هنا، وهو رواية عن أحمد؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن الغالب أن الشخص لا يعيش أكثر من تسعين سنة فيلزم تحديد انتظاره بهذه المدة إن غلب الظن سلامته، ويلزم من تكرار تردد المسافرين للتجارة كل أربع سنوات: أن تجعل هذه المدة نهاية انتظار من يغلب على الظن هلاكه، إذ الحي لا ينقطع خبره في العادة إلى أكثر من ذلك، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر قال: "أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ثم تحل" ووافقه على ذلك عثمان، وابن عباس، وابن عمر، ثم يُقسم ماله بعد ذلك. قلتُ: أما التلازم: فهو بعيد؛ إذ لا يلزم من كون الشخص لا يعيش أكثر من تسعين سنة: تحديد انتظاره بها؛ لكون ذلك يُعتبر ظلمًا لزوجته، وورثته؛ إذ لو فقد شخص عمره ثلاثون: للزم على قولكم أن ينتظر ستين سنة وهذا لا يمكن؛ لأن الغالب أن يموت ورثته وزوجته في هذه المدة، ويفسد ماله، وهذه مفسدة لا يقرها الإسلام، أما قول الصحابي: عمر ومن وافقه: فهو اجتهاد منهم ثبت بعد دلالات وأمارات تصلح لوقتهم، لكنها لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>