أي: أخلاقه التي ينبغي له التخلّق بها (ينبغي) أي: يسن (أن يكون قويًا من غير عنف)؛ لئلا يطمع فيه الظالم، والعنف ضد الرفق (١)(ليِّنًا من غير ضعف)؛ لئلا يهابه صاحب الحق (٢)(حليمًا)؛ لئلا يغضب من كلام الخصم (ذا أناءة) أي: تؤدة، وتأنٍ، لئلا تؤدي عجلته إلى ما لا ينبغي (٣)(و) ذا (فطنة)؛ لئلا يخدعه بعض
باب آداب القاضي
وفيه إحدى وثلاثون مسألة:
(١) مسألة: يُستحب أن يكون القاضي قويًا في علمه، متمكنًا منه، مستظهرًا به، ذا شخصية مهابة في ذلك، ولكن تكون هذه القوة مع رفق ولطف، ويستبعد العنف والشدَّة قدر استطاعته؛ للمصلحة: حيث إن تلك القوة وسيلة إلى إعطاء الحق لمستحقه من أي شخص، والرفق وسيلة إلى إقناع الآخرين بحكمه.
(٢) مسألة: يُستحب أن يكون القاضي ليِّنًا لطيفًا، لبقًا من غير ضعف في العلم؛ للمصلحة: حيث إنه إذا كان قاسيًا، جافًا: فإن صاحب الحق من الخصوم سوف يهابه، ويتجنَّبه ويصعب إبلاغه بالبيِّنة بصورة واضحة، لشدّة تنكره للخصوم، وإذا كان فيه ضعف في جانب من جوانب العلم: فلا يقدر - أي: هذا القاضي - أن يُقنع الخصم بحكمه الذي أصدره فدفعًا لذلك استحب ما ذكر.
(٣) مسألة: يُستحب أن يكون القاضي حليمًا متأنيًا متريثًا ذا تؤدة؛ نابذًا وتاركًا للعجلة، والطيش، والحدَّة، والتسرُّع، وعدم التثبت والغضب والشهوة، فيُثمر ذلك وقارًا وسكينة عليه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك الخلق يجعل حكمه مقبولًا عند الناس، ويكون موثوقًا به؛ لأن الحلم زينة العلم، وبهاؤه، وجماله؛ لأنه لباس العلم كما ذكر ذلك ابن القيم، وقديمًا قيل: في التأنِّي السلامة، وفي العجلة الندامة، ومن منّا لا يُريد السلامة في أقواله وأفعاله، وتصرفاته؟!