من "ودع الشيء": إذا تركه؛ لأنها متروكة عند المودع، والإيداع: توكيل في الحفظ تبرعًا، والاستيداع: توكل فيه كذلك، ويُعتبر لها ما يُعتبر في وكالة (١)، ويُستحب قبولها لمن علم أنه ثقة قادر على حفظها، ويكره لغيره إلا برضى ربها (٢)
باب الوَدِيْعَة
وفيه ثلاث وثلاثون مسألة
(١) مسألة الوديعة لغة من "الودع"، و "التوديع" وهي: ترك الشيء في مكان أمين، قال الأزهري:"أن تُودِع ثوبًا في صوان لا يصل إليه غبار ولا ريح"، ومنه قوله تعالى: ﴿ما ودَّعك ربك وما قلى .. ﴾ أي: لم يتركك ولم يقطع الوحي عنك، ولا أبغضك، - كما جاء في اللسان (٨/ ٣٨٢) وهي في الاصطلاح: "أن يوكل جائز التصرف غيره ممن يُماثله في حفظ ماله بلا عوض على وجه مخصوص" أي: يقوم زيد البالغ العاقل الرشيد بجعل ماله أو بعضه عند عمرو البالغ العاقل الرشيد ليحفظه له بلا عوض يأخذه منه عمرو، وزيد المودِع موكِّل في حفظ ماله، وعمرو المودَع موكَّل في هذا الحفظ، وهو متبرِّع في ذلك، لذلك اشتُرط للوديعة ما اشتُرط للوكيل والموكِّل من التكليف والرشد - كما سبق في باب الوكالة - والمراد بعبارة:"على وجه مخصوص": أن هذه الوديعة لها شروط، وقيود في المودِع والمودَع، والمال المودَع، وطريقة حفظه سيأتي بيانها إن شاء الله. فإن قلت: لِمَ جعل باب الوديعة هنا، مع أن بعض الفقهاء قد جعلها بعد كتاب الفرائض وبعضهم جعلها بعد باب الهبة؟ قلتُ: لكونها معاملة بين اثنين فهي قريبة لأحكام الوكالة، والغصب، والشفعة، أكثر من شبهها للفرائض والهبة.
(٢) مسألة: يُستحب للمسلم العدل الذي غلب على ظنه قدرته على حفظ الودائع أن يقبل الودائع ويحفظها لأصحابها، ويكون له في ذلك أجر عظيم، ويكره لمن=