سبحات وجهه: تعددت الأقوال في معناه قال الخطابي: جلاله ونوره وهكذا فسروه ـ والله أعلم ـ بمعناه فأما اشتقاقه من اللغة فمن قولك: سبحت الله أي نزهته من كل عيب، وبرأته من كل آفة ونقص يقال: إن أصل التسبيح التبعيد من قولك: سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها، والمعنى: أنه لم يطلع الخلق من جلال عظمته إلا على مقدار ما تطيقه قلوبهم وتحتمله قواهم ولو أطلعهم على كنه عظمته لانخلعت أفئدتهم وزهقت أنفسهم، ولو سلط نوره على الأرض والجبال لاحترقت وذابت لقوله تعالى في قصة موسى:{فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً}[الأعراف: ١٤٣](غريب الحديث للخطابي ١/ ٦٨٥).
قال أبو عبيد: يقال: السبحة جلال وجهه ونوره، ومنه قيل: سبحان الله إنما هو تعظيم الله وتنزيهه (غريب الحديث لأبي عبيد ٣/ ١٧٣). وقيل معناه: لو كشفها لأحرقت يعني النار ـ والعياذ بالله ـ كل شيء أدركه بصره، فمعنى سبحات وجهه: سبحان وجهه، وعائذ بوجهه، فسبحات وجهه اعتراض بين الفعل والمفعول، وقيل معناه تنزيه له: أي سبحان وجهه، وقيل: محاسنه؛ لأنك إذا رأيته قلت: سبحان الله (النهاية/ سبح/٢/ ٣٣٢)(المجموع المغيث ٢/ ٤٩).
وقال ابن تيمية:" في جانب الربوبية يكون بكشف حجب ليست متصلة بالعبد كما قال
صلى الله عليه وسلم:{حجابه النور، أو النار} فهي حجب تحجب العباد عن الإدراك كما قد يحجب الغمام والسقف عنهم الشمس والقمر فإذا زال تجلت الشمس والقمر، فهي تحجب أن تصل أنواره إلى مخلوقاته، وبصره سبحانه يدرك الخلق كلهم، أما السبحات فهي محجوبة بحجابه النور أو النار" (مجموع الفتاوى ٦/ ١٠).
الفوائد:
(١) أن الله سبحانه لاينام ويستحيل في حقه النوم؛ فإن النوم انغمار وغلبة على العقل يسقط به الاحساس، والله تعالى منزه عن ذلك.
(٢) أن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات (شرح النووي ٣/ ١٣، ١٤).
(٣) مسارعة الكرام الكتبة إلى رفع الأعمال وسرعة عروجهم إلى ما فوق السموات حيث يرفعون عمل النهار قبل أن يشرع العبد في عمل الليل (شرح سنن ابن ماجه للسندي ١/ ٨٦).
(٤) فيه ذكر صورة ربنا أي صفة وجهه سبحانه وصفة سبحات وجهه، تعالى ربنا أن يكون وجهه كوجه بعض خلقه وعز أن لا يكون له وجه إذ الله قد أعلمنا في محكم تنزيله أن له وجهاً ذوّاه بالجلال والإكرام، ونفى عنه الهلاك، ولوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره محجوب عن أبصار أهل الدنيا لايراه بشر ما دام في الدنيا الفانية (التوحيد لابن خزيمة ١/ ٤٥، ٥٣).
(٥) أن النص قد ورد بتسمية الرب نوراً، وبأن لله نوراً مضافاً إليه، وبأنه نور السموات والأرض، وبأن حجابه نور فهذه أربعة أنواع وقوله:{حجابه النور} فهذا النور المضاف إليه يجئ على أحد الوجوه الأربعة، والنور الذي احتجب به سبحانه سمى نوراً أو ناراً كما وقع التردد في لفظه في الحديث الصحيح {حجابه النور أو النار} فإن هذه النار هي نور وهي التي كلم الله كليمه موسى فيها وهي نار صافية لها إشراق بلا إحراق، وحجاب الرب نور وهو نار (مختصر الصواعق ٢/ ٣٤٨).