للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المبحث الرابع

أحاديث الأسماء المبدوءة بحرف الجيم

[{الجبار}]

المعنى في اللغة:

الجبر من العظمة والعلو والاستقامة، والجبار: الذي طال وفات اليد، يقال: فرس جبار ونخلة جَبَّارة وهي العظيمة التي تفوت يد المتناول، ويقال: أجبرت فلاناً على الأمر ولا يكون ذلك إلا بالقهر وجنس من التعظم عليه (١).

والجبرياء والتجبر: الكبر والتكبر، والجبروت: فعلوت من الجبر والقهر (٢).

المعنى في الشرع:

الجبار: هو الذي لاتناله الأيدي ولايجري في ملكه غير ما أراد.

فالله سبحانه هو جبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها (٣)، وهو الذي جبر خلقه على ما يشاء من أمره بأن شرع لهم من الشرائع ما شاء وأمرهم باتباعها قال تعالى:

{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢].

وهو المصلح أمور خلقه، ومصرفهم فيما فيه صلاحهم (٤). يدخل في معنى الجبار أنه سبحانه إذا اراد شيئا كان كما أراد ولم يمتنع عليه، وقد أحدث كل شيء عن عدم، وإذا أراد وجود شيء لم يتخلف كونه عن حال إرادته فيكون فعله له كالجبر (٥). والله هو القهار لكل شيء الذي دان وخضع له كل شيء.

وقيل: الجبار الذي لايُنال، وهو سبحانه العالي فوق خلقه، وهو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق وهو المتكبر الذي لايرى لأحد عليه حقاً.

وهو يجبر الفقر بالغنى، وهو جابر كل كسير وفقير، وهو جابر دينه الذي ارتضاه (٦). وهو سبحانه يجبر المصاب بتوفيقه للثبات والصبر، ويعيضه على مصابه أعظم الأجر، ويجبر جبراً خاصاً قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين بما يفيض عليهم من أنواع كراماته، وهذا الجبر في حقيقته اصلاح للعبد ودفع لجميع المكاره عنه (٧).

فالجبار بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرءوف الجابر للقلوب المنكسرة وللضعيف العاجز ولمن لاذ به ولجأ إليه (٨).

قال ابن القيم (٩):

وكذلك الجبار من أوصافه ... والجبر في أوصافه قَسمان

جَبْرُ الضعيف وكل قلب قد غدا ... ذا كَسْرة فالجبر منه دان


(١) معجم مقاييس اللغة (جبر) (١/ ٥٠١، ٥٠٢)، اشتقاق أسماء الله للزجاجي (٢٤٠)، اللسان (جبر) (٢/ ٥٣٤ - ٥٣٧).
(٢) النهاية (جبر) (١/ ٢٣٦)، تفسير أسماء الله للزجاج (٣٥).
(٣) التوحيد لابن منده (٢/ ٧٤) وعزاه إلى علي رضي الله عنه، وانظر: الاعتقاد للبيهقي (٣٤).
(٤) جامع البيان (٢٨/ ٣٦، ٣٧)، والأول رواه عن قتادة، وانظر: النهج الأسمى (١/ ١٣٤).
(٥) انظر: الأسماء والصفات (١/ ٨٩).
(٦) انظر: شأن الدعاء (٤٨)، النهاية (جبر) (١/ ٢٣٥).
(٧) الحق الواضح المبين (المجموعة الكاملة ٣/ ٢٥١، ٢٥٢).
(٨) تيسير الكريم الرحمن (٥/ ٤٨٧).
(٩) النونية (٢/ ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>